أسلم سبيل للتطور الديموقراطي الذي ينفع هذا البلد هو التطور الذي يأتي بالتراضي والتوافق والعقل والمنطق والحكمة عن طريق الحوار.. وهذه ليست قناعة خاصة بل يمكن أن نستخلصها من السلوك العملي في موقف شعب لم يستجب كل هذه السنوات لدعوات متكررة ونداءات ملحة من النخب السياسية المعارضة للمواطنين أن هبوا وانتفضوا لإطاحة هذا النظام فوراً.. وهذه (الفورية) غير الموضوعية ظلت متواصلة بنفس لغتها ونبرتها العاجلة وتبريراتها العاطفية المؤثرة والتي لو استمعت إليها قبل خمسة أو عشرة أو خمسة عشرة عاماً تتخيل في كل مرة أن الثورة السودانية الوشيكة جداً ستتفجر خلال ساعات..
هذه الحالة من عدم استجابة جسد الوطن لعقاقير الثورة وحقن (الطلق الاصطناعي) جعلت الأصوات المتحمسة للخيار الثوري في الداخل أو الخارج في مقابل الصمت الرهيب وعدم التعليق أو التجاوب من الشعب السوداني لهذه النداءات برغم كل ما يعانيه هذا الشعب وما يواجهه من ضغوط صعبة.. جعلت الكثير من هذه الأصوات المنادية بالثورة غاضبة من الشعب بل بعضها محقرة له ولوعيه، وآخرون تطاولوا بألسنتهم على الشعب السوداني ووصفوه بأنه شعب جبان وخانع.
لكن الواقع يقول غير ذلك، يقول إن صمت الشارع السوداني صاحب التجارب الثورية المبكرة هو صمت الواعي بالمخاطر الأكيدة التي تهدد وجود وبقاء هذا البلد في حالة الإقدام على فعل ثوري في ظل الاضطراب وغياب الرؤية .
رهاننا على الحوار كمفهوم وثقافة ليس ثقة مطلقة أو حسن ظن مفرطا في الأطراف المبادرة أو المشاركة فيه، لكنه الخيار الآمن الوحيد لتجاوز هذه المرحلة بشكل آمن مع اليقين بأن أي حوار يقتضي تنازلات تبدأ من التنازل لخياره دون الخيارات الأخرى وهذا تنازل كبير ويجب أن يكون مقدراً لأي طرف بادر أو شارك في الحوار .
وكان من الممكن جداً أن تأتي مخرجات الحوار الحالي بأفضل مما تخرج به الآن لو كانت جميع الأطراف مشاركة فيه..
خاصة وأن معظم المطالب الإصلاحية المعتدلة هي مطالب متشابهة بين المشاركين والممانعين مثلاً مقترح الحكومة الانتقالية حين دفع به المؤتمر الشعبي في لجان الحوار ضمن ورقة الحكم قال إبراهيم الشيخ رئيس المؤتمر السوداني في مؤتمر قوى الإجماع الوطني بأن الشعبي أخذ ورقة الحكم من محاضر اجتماعتهم أي أن المقترح هو مقترحهم (كوبي آند بست) ومسألة من الذي تقدم بالمقترح هي مسألة غير جوهرية طالما لو تم التوافق عليه فالنتيجة واحدة، وقد أظهر المؤتمر الشعبي مرونة جيدة حين قوبل مقترحه بالرفض فتفتحت أبواب النقاش بمرونة للإتيان ببدائل قريبة أخرى مثل القومية وأخيراً تم طرح حكومة وفاق وطني يتم تعيينها بواسطة لجان الحوار ويرأسها البشير .
الفكرة أنه كلما كانت المشاركة في الحوار أكبر كان الضغط أقوى لتمرير معظم المطالب المطروحة ودرجات التنازل التي سيقدمها المؤتمر الوطني كان من الممكن أن تكون أكبر لو كان وزن المطالبين بالتنازلات أثقل .
أبواب الحوار يجب أن تظل مفتوحة بحجم الأمل في أن تحدث هداية سياسية للمكونات الرافضة للحوار .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.