التعبير عن مشاعر الحب.. غالباً ما يُطيح برابط الصداقة.. حيث لا يتعدى ذات المعنى من وجهة نظر الطرف الآخر.. فالصداقة هي علاقة اجتماعية بين شخصين أو أكثر تجمع بينهم بالمودة والتعاون في إطار العطف المتبادل بين شخصين، يريد كل منهما الخير للآخر ومن التعريفات الحديثة للصداقة أنها علاقة اجتماعية وثيقة تُبنى على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين وأكثر، وتتميّز بعدة خصائص منها الدوام النسبي والاستقرار والتقارب العُمري في معظم الحالات، مع التماثل فيما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات والظروف الاجتماعية. (اليوم التالي) استطلعت بعض الآراء العشوائية عن هذا الأمر، مركزة على الوسط الطلابي، فجاءت بعضها متسقة وأخرى متباينة حد التناقض.
يفرق كتير
يقول سامي عبدالرحمن (طالب جامعي): “هنالك علاقات صداقة امتدت فترات طويلة وانتهت بالحب، ولكن في هذه الحالة غالباً التعبير عن المشاعر يُطيح برابط الصداقة، حيث يفاجأ الطرف الآخر بما يكنه له المقابل من محبة فيما يعدونها هو محض صداقة لا تتعدى هذا المعنى”. وأردف: “أغلب الناس يخلطون بين الحب والصداقة، رغم أن هناك فرقاً كبيراً بين المشاعر التي تتعامل بها مع الشخص كصديق والأخرى في التعامل مع الحبيب”.
قبول الآخر
هنالك خصائص مشتركة بين الحب والصداقة، أهمها الاستمتاع برفقة الطرف الآخر والقبول به كما هو، كذلك الحرص على المصالح المتبادلة بين الطرفين والمساعدة عند الحاجة والاحترام، أيضاً فهم شخصية الحبيب أو الصديق ودوافع سلوكه والاعتقاد في حسن تصرفه، تؤدي إلى التلقائية بينهما في التعامل. من جهته أرجع عصمت صالح (موظف) الخلط بين الحب والصداقة إلى سذاجة الشخص وعدم انتباهه تصرفاته مع الطرف الآخر، موضحاً: أحياناً يُشعر أحدنا بالارتياح تجاه شخص معين ويُعحب به، إذ يمكن بالمقابل أن ينتابه ذات الإعجاب لشخص من جنسه، وبالطبع هذا لا يكون حباً، بل صداقة، أما الحب عبارة عن مشاعر متأججة بين شخصين يعمل كل منهما لإسعاد محبه حد التضحية، وفق تعبيره. وفي جانب الصداقة يقول عصمت: الصديق الوفي لا ثمن له في هذا الزمان، حيث اختلط الحابل بالنابل، ما جعل أولياء الأمور يتدخلون في اختيار أصدقاء أبنائهم، خوفاً عليهم من اقتيادهم الطرق المُعوجة التي تُدمر مستقبلهم حسب تقديراتهم، وأنا أؤيدهم الرأي بحكم تجريتي مع إخواني سابقاً وحالياً أبنائي. وتابع: الصديق له تأثير قوي على رفيقه لذلك يجب الانتياه حال اختيار أبنائنا لتلك الصحبة التي يصعب التدخل في شأنها أحياناً، وفي تقديري تواصل الأسر وتوطيد العلاقات بينهما، يُساعد كثيراً في كشف بعض الحقائق التي بِموجبها تستطيع الأسرة الاستمرارية أو الانسحاب بشكل غير مُحرج.
في غضون ذلك، تقول لينا محمد (موظفة): أولا يجب علينا أن نفرق بين الحب والصداقة حتى لا نفقد بعض العلاقات الوطيدة بهذا المفهوم. وأضافت: “حديثك هذا ذكرني حكاية لإحدى صديقاتي حينها كنا ندرس في الجامعة، كالعادة كانت (شلتنا) شباب من الجنسين، نتعاون في كل شيء وكان صديقنا المعني هذا يهتم بصديقتي حد المبالغة دوننا جميعاً، وكانت تتفاخر بهذا الاهتمام المفرط لكنها لم تحسب عواقبه، علماً بأني لفتها إلى ما يُحدث، تجاهلت قولي وربما اعتقدت في نفسها أني أغار منها”. تواصل لينا: “”وبالفعل حصل ما كنت أخشى عواقبه وفي ذات يوم صارحها بحبه لها، واعترف أنه حاول إبعاد الفكرة ومغالطة مشاعرة، وفشل في ذلك، حينها تملكتها الحيرة والتزمت الصمت جاءت إليَّ مسرعة الخطى حتى أجد لها حلاً، تعثرّت في مساعدتي لها بحكم علاقتي العادلة بينهما، ولم أجد خياراً ساعتها وأخبرته بعلاقتها بابن عمها المهاجر الذي يرتب للزواج منها بعد أن تتخرج، وكانت بمثابة الصدمة النفسية لذاك الشاب المتميز والنابغ في دراسته”. وختمت لينا: “من المؤسف ترك دراسته ولم يُكملها، كان ضحية كغيره من رسم لوحة أحلامهِ على ساحل البحر، وجاءت الأمواج بغتةً وأخذتها”، وفق وصفها.
كل شيء ممكن
إلى ذلك، يقول د.نصر الدين أحمد إدريس الدومة رئيس قسم علم النفس بجامعة أفريقيا العالمية: أولاً الصداقة قيمة إنسانية رفيعة تعبر عن علاقة إنسانية بين طرفين، وهي تتويج لتفاعل اجتماعي متنوع، فقد تنشأ من خلال التلازم في السكن أو الدراسة بمختلف مراحلها أو من خلال مكان العمل المشترك أو أحيانا من خلال الاشتراك في مهمة أو سفر أو غير ذلك، ومن خلال ما تقدم تختلف درجات الصداقة بين الناس، وكذلك تختلف مقاصدها وأهدافها، فالبعض تنشأ صداقة بينهم من خلال تلاقيهم في دور العبادة، والبعض الآخر ربما يلتقون لمعصية الخالق والعياذ بالله، وهنا فالصداقة الإيجابية تعبد الطريق للارتقاء بها إلى المحبة في الله، وهي أعلى مراتب الصداقة والعكس عند الصداقة السالبة – جليس السوء – فمرتبتها الكره بين أصدقاء السوء، أما فيما يتعلق بالصداقة بين الرجل والمرأة فقد تنشأ بيهم علاقة ترتقي أن تكون صداقة وأخوة، فمن خلال العمل المشترك، فهناك تفاعل موجود في واقعنا بين الذكور والإناث، وهذا التفاعل قد ينتج علاقة قوية بين الجنسين وبعض العلاقات الأسرية نشأت نتيجة لمثل هذه العلائق، ولكن من الناحية الاجتماعية يتجنب المجتمع وصفها بالصداقة، فأحيانا يطلق عليها الزمالة وأحيانا مسميات أخرى، وليس بالضرورة أن تتحول إلى حب كلها، وهذا لا ينفي أن تتحول بعض الصداقات بين الجنسين إلى حب، وفي هذه الحالة تكون علاقة ناجحة.
خالدة ودالمدنى
صحيفة اليوم التالي