تطبيع العلاقات وفتح الحدود.. مع دولة الجنوب!..طارق إسماعيل محمد

في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس سلفا كير التطبيع الكامل مع الخرطوم ومطالبته بفتح الحدود بين البلدين، وبعد أن أصدر الرئيس البشير قراراً بفتح الحدود مع دولة جنوب السودان .. نشرت بعض الصحف الصادرة بتاريخ 30/1/2016م خبراً مؤاده: إن أكثر من «1500» من أبناء أبيي بالجيش الشعبي لدولة جنوب السودان، أعلنوا انضمامهم للجيش الشعبي للحركة الشعبية شمال تحت قيادة مالك عقار، بعد أن تأكد لهم تهاون سلفا كير وتنكره لقضية أبيي!!
أين هنا المشكلة عندما تنضم قوة لقوات تتبع لنفس الجهة أولاً، وثانياً، لم يكن الأمر سراً ولا مفاجأة! هذا إذا افترضنا أن الخبر صحيحاً وليس مفبركاً، أيضاً، لا شيء مثير! فمالك عقار يعمل تحت رعاية وتوجيهات زعيم الحركة الشعبية بدولة الجنوب!! ما الجديد؟!!!
ويمكن القول إن الخبر قد أظهر لنا محاولة كيدية صريحة للوقيعة بين البلدين والتحريض ضد مساعي تعزيز العلاقات وفتح الحدود بينهما! لكنه من حيث لا تفهم كشف لنا سذاجة مَن طبخه وأنتجه!! ولا يخفى أن هنا وهناك وجهات أجنبية ليست من مصلحتهم تطور العلاقة في الاتجاه المطلوب، بل تظل في حالة توتر دائم، وتكون بلاد ضعيفة ومفتتة!! فلابد أن يسعى الطرفان إلى الانخراط الإيجابي نحو تحقيق الاستقرار في البلدين. ويتوجب على دولة جنوب السودان تفويت الفرصة على مَن يريدون ضرب علاقات البلدين وإغراقها بالسلاح والفوضى وجعلها بؤرة للتوتر في المنطقة وملاذاً آمناً للمليشيات المتمردة بسبب الفراغ الأمني والسياسي. والواقع يقول إن السودان ليس في حاجة لأن يتحرك من قاعدة أجندة خاصة تجاه دولة الجنوب، الذي يتأثر بكل ما يدور فيها، فمن هنا يُفهم إن حق السودان في الدفاع عن نفسه بأنه تعدى على الغير.
والمتابع للصراع الجنوبي الجنوبي، يلحظ إنه صراع بين قبيلتين متناحرتين، وكل قبيلة تعرف طبيعة الأخرى وتعرف آلامها ومواجعها رغم هيمنة قبيلة الدينكا بقوة وحزم على مقاليد الحكم هناك!! ورغم المساعي لطي الخلافات بينهما، إلاَّ أن كل المؤشرات الآن تقول إن الموقف مازال هشاً ومفتوحاً على كافة الاحتمالات!! .. يحمد للحكومة السودانية تعاملها مع الأطراف بميزان دقيق وسياسة واضحة دون ميل نحو أحد على حساب الآخر!
وعلى أي حال، العلاقات لا تبنى على الهمس والقيل والقال، بل على المصالح والمواقف، واستقرار السودان مسألة حيوية لأمن واستقرار دولة جنوب السودان، فبالتالي محاولة ضرب الاستقرار من قبيل العبث السياسي أو غيره، سترتد على الجميع!!
نأمل أن يكون الجانب الجنوبي هذه المرة صادقاً في نواياه تجاه السودان الذي ظل يؤجج فيه الصراعات في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وأن تكون رغبة تنشيط علاقته مع السودان من أجل إستراتيجية ومصالح مرحلية لا أكثر، ولا يكون الهدف من ذلك تبني خط معتدل تجاه السودان وإخفاء الهدف الأساسي وهو زعزعة استقراره!!
بكل المقاييس دولة الجنوب هي أهم جار بالنسبة للسودان، وأخطر الدول تهديداً لأمن السودان القومي، والسودان بدوره أحد أكثر الدول تأثيراً على أمن الجنوب وسلامته واستقراره، ولذلك لابد من تنشيط الآليات الموجودة والمتفق عليها بين البلدين ولاسيما تفعيل اللجان السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها من اللجان، وأن تكون هناك لقاءات منتظمة لمسؤولي وزارة الخارجية والمسؤولين الأمنيين ومسؤولي وزارة الدفاع، وألا تكون اللقاءات بالطريقة القديمة التي كانت تتم كلما حدثت مشكلة أو تطور!
وكذلك على الطرفين أن يواجها مشكلاتهما بروح جديدة تتسم بالشجاعة والبعد عن المزايدة أوالتورط مع الدول الكبرى، وأن تكف الحركة الشعبية في دولة الجنوب عن دعمها للمليشيات السودانية والاخلال بالأمن في السودان، وبالأخص فك ارتباط الفرقتين التاسعة والعاشرة بالجيش الشعبي لتحرير السودان.. وأن تكف عن محاولتها لتفكيك المجتمع السوداني.. وابتعادها عن الإضرار بتماسك ووحدة النسيج الاجتماعي والتأثير السلبي بوقف مساهمتها في التصارع الحزبي بالسودان.
إن الجميع أمام واقع دولي جديد يجري فيه الاستغناء تدريجياً عن جميع المعايير القانونية والسياسية والأخلاقية لكي تصبح حركة السياسة الدولية رهنة لمعيار واحد، هو معيار القوة المهيمنة والمتسلطة فقط. لمواجهة مثل هذا الواقع يصعب التعامل معه بسياسة استقطابية حادة تختصر الأمور في خيارين وحيدين أبيض أو أسود ، فلا الاستسلام للواقع يليق بالأمم الحية الناهضة ولا التصادم والتناطح بالرأس مع الثيران الهائجة يمكن أن يحقق أية فائدة!
أقول بصراحة، لمواجهة مثل هذا الواقع الذي يفرض نفسه على الجميع، يتحتم إعادة النظر في تكتيكات وآليات التعامل بنفس حتمية التمسك بالثوابت الإستراتيجية وليكون أكثر وضوحاً. إن المقاومة ضد أي تمرد داخلي أو أجنبي حق مشروع لا يجوز لأحد أن يشكك في مشروعيته. لكن يجب أن يفهم الناس إن المقاومة ليست نمطاً واحداً، وإنما هناك أشكال وأنماط متعددة! ثم إن المقاومة نوع من أنوع الحرب، والحرب كما نعلم كر وفر.. تسخين وتبريد.. قتال وهدنة!.. وإذا كانت ظروف ومقتضيات المصلحة القومية العليا للأمة السودانية بشكل خاص وللبلدين بشكل عام في هذه المرحلة تقضي إعادة النظر في آليات ووسائل المقاومة حتى تمر العاصفة، فإن ذلك ليس ضعفاً ولا تنازلاً أو تخلياً عن الحق في العودة لاستخدام كل وسائل المقاومة مرة أخرى إذا فشل تماماً رهان السلام ولم تنجح جهود استعادة الحقوق المشروعة!
ولن تخسر البلدين شيئاً إذا ما سمحتا لنفسيهما بأن تأخذا فترة لالتقاط الأنفاس، وأن تعيدا ترتيب أوضاعهما، وأن تمنحا نفسيهما فرصة جديدة لإثبات مدى قدرتهما على تحسين العلاقات، بعد أن أصبح الإجماع على ضرورة الأمن والأمان في البلدين مكتملاً بصورة لم يسبق حدوثها.. ولا يخفى على أحد سلوك الدول العظمى الذي تحكمه قاعدة أساسية هي أنه لا توجد في السياسة الدولية عداوة دائمة او صداقة دائمة.. وإنما هناك مصالح متبادلة.
أي تباطؤ في اتباع الطريق الصحيح وفق رؤية سديدة معناه السماح لعوامل الفتنة أن تقوي وأن تشتد وأن تقضي على حلم شعبي البلدين المشروع!. وآن الأوان لكي يحتشد قادة البلدين وبشكل عقلاني لا يستفز أحداً من أجل بناء جهد وقاعدة اقتصادية يمثلان معاً رسالة لكل مَن يعنيهم الأمر بأن شعوب الدولتين ينشدون السلام ويخاصمون الحروب، وفي الوقت ذاته يحذرون من استحالة تحقيق أوهام الآخرين الذين ينامون مطمئنين على وسادة من ريش النعام! وينعمون بأمن بدون أمن لنا! أو أن يحصدوا رخاء بدون رخاء لنا!.
في الخلاصة: ربما يكون ضرورياً ومفيداً أن يتجاوز البلدان حالة الشكوك والظنون المتبادلة وتقوية علاقتهما في كافة المجالات بما يحقق السلام في المنطقة، وأن تظل مواقف الدولتين ومصالحهما متطابقة ولا يوجد ما يعكر صفو العلاقة، وتكون علاقة مثالية ومستقرة، ومثال للعلاقات بين دول الجوار، حيث بإمكان دولتي السودان قيادة الاستقرار في المنطقة وكافة الإقليم والقارة الإفريقية بصفة عامة.

 

 

الانتباهة

Exit mobile version