اشتد ضغط العقوبات الاقتصادية (الأميركية) على السودان خلال العامين الأخيرين، وظلت الدائرة تضيق كل شهر، ما يزيد من معاناة شعبنا يوماً بعد يوم غلاءً فاحشاً في أسعار كل شيء .
{والغريب أن كل المواقف التي اتخذتها حكومة السودان مؤخراً على صعيد العلاقات الخارجية سواء بالمشاركة في (عاصفة الحزم) أو قطع العلاقات مع “إيران” لم تحرك ساكناً إطلاقاً في موضوع العقوبات، وما زال الحصار الاقتصادي في وتيرة متصاعدة كل يوم حسبما أكد لي مدير مصرف عربي كبير قبل يومين .
{العقوبات اللئيمة يجددها الرئيس الأمريكي بخطاب للكونغرس شهر (نوفمبر) من كل عام، وتعمل بموجبها بنوك دولية ومؤسسات مصرفية في بلدان عربية وأوربية مخافة الغرامات المليارية الباهظة كما حدث لبنك “باربيا” الفرنسي، فضلاً عن عقوبة المنع من التعامل مع (مقاصة الدولار) التي تتحكم فيها الولايات المتحدة باعتبارها صاحبة (العملة) .
{المقاصة الأوربية لمنطقة (اليورو) ومركزها في “فرانكفورت” الألمانية دخلت دائرة العقوبات الاقتصادية على السودان لسببين؛ فإما أن البنك (الأوربي) له فرع في أمريكا أو به مساهمون أمريكان وبالتالي يخضع للقانون الأمريكي، أو استطاعت بنوك المقاصة الأمريكية إقناع مجلس إدارة البنك الأوربي أو العربي أو الصيني الذي لا يخضع للقانون الأمريكي وليس له فرع في الولايات المتحدة بلغة المصالح أو بالتهديد بعدم التعاون عبر مقاصة الدولار .. ويتم ذلك عبر لقاءات مباشرة (بنك أمريكي مقابل بنك أجنبي) ولا يظهر هنا الكونغرس ولا الـ(C.I.A) ولا البيت الأبيض! فينظر البنك إلى مصالحه .. هل هي أكبر مع أمريكا أم مع السودان .. طبعاً مع أمريكا إلا إذا اصطفت حكومتنا بنكاً محدداً وأغدقت عليه بجملة معاملاتها وعملياتها المصرفية.
{وفي ظل هذا الوضع بالغ التعقيد، توقفت البنوك الأوربية والكثير من العربية من التعامل مع البنوك السودانية وتحديداً مع شركات سودانية كبرى حظرتها قائمة العقوبات الأمريكية .
{بالمقابل ..لا يبدو أن اجتهادات حكومتنا عبر مؤسساتها المختلفة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية قد ارتقت إلى مستوى الأزمة وأفلحت في مواجهة ومجابهة هذا التهديد الأمريكي العنيف بالسرعة والإيقاع المطلوب .
{فكلما فتحت البنوك والمؤسسات الاقتصادية في بلادنا (نفاجاً) أو (نفقاً) للمرور عبره للعالم، سواء باللجوء لخيار التحويل بـ”اليوان الصيني” أو الدرهم الإماراتي أو الريال القطري، كانت (المافيا الأمريكية) لها بالمرصاد، فتعمل بسرعة فائقة وعبر عملائها على قفل (النفاج) وإحباط أي محاولة لخروج السودان للعالم !!
{دولة بهذا السوء والقبح – سوء على الأقل في بيتها الأبيض “الأسود” ومجلس شيوخها ونوابها العنصريين – لا تستحق أقل من المعاملة بأقسى من المثل .
{دولة بهذا العداء السافر لشعب السودان وهذا الاستهداف المستمر لتجويعه وإفقاره، مع وجود إدارة سودانية اقتصادية ضعيفة وعاجزة عن تخفيف وطأة العقوبات، لا تستحق أقل من إغلاق سفارتها طرفنا وهي أكبر سفارة في أفريقيا، تتمطى على آلاف الأمتار المربعة بضاحية “سوبا”، وطرد بعثتها الدبلوماسية والأمنية من (الفيلل الرئاسية) بشارع النيل الخرطوم .
{أنا ضد (الشيعة) دولة ومعتقداً، ولكن بصراحة ماذا فعلت لنا “إيران” لنطرد سفيرها ونغلق سفارتها في الخرطوم، بينما تبقى السفارة الأمريكية مفتوحة الأبواب للعملاء والجواسيس كي ما يمدونها بالمعلومات من داخل الجهاز المصرفي عن آخر محاولات مصارفنا لفتح (قنوات) للتحايل على عقوبات زعماء (الإرهاب الحقيقي) سناتورات الكونغرس الأميركي وموظفي البيت الأبيض وضباط البنتاغون ووكالات الأمن القومي ؟!
{كيف تبقى السفارة الأمريكية التي تشن دولتها أقسى حرب اقتصادية على شعبنا لدرجة أن أسطوانة (الغاز) صارت الأغلى سعراً في المنطقة العربية، بينما نغلق السفارة الإيرانية ؟!
{من يفسر لنا كيف تدار سياسة السودان الخارجية ؟!!
الهندي عز الدين
المجهر