حسب تقرير حديث عن المغتربين أوردته محطة الجزيرة الفضائية مؤخراً، إن عدد المغتربين الذين يعيشون خارج بلادهم الأم يبلغ (٢٤٠) مليوناً.. على أن تحويلات هولاء المغتربين لبلدانهم ذهبت إلى (٤١٤) مليار دولار عام ٢٠١٣.. فحسب البنك الدولي.. إن تحويلات المغتربين تفوق المساعدات الإنمائية الرسمية ..
فالمغتربون من دولة لبنان تساوي أعدادهم أربع مرات عدد المقيمين.. على أن تحويلاتهم في العام تبلغ (7.5) مليار دولار.. ما يساوي ٢٠٪ من الدخل القومي!! أما مغتربو جمهورية مصر الشقيقة، فتبلغ تحويلاتهم (١٨) مليار دولار في العام !! وفي المقابل تبلغ تحويلات المغاربة (٦،٢) مليار دولار في العام !! على أن مجموع مدخرات المغتربين خارج بلدانهم تبلغ في الخارج نحو (٥٠٠) مليار دولار.. وهناك توقعات بأن ترتفع تحويلات المغتربين لبلدانهم عام ٢٠١٦ إلى أكثر من (٥٠٠) مليار دولار !!
* ولك أن نتساءل عزيزي القارئ عن موقع (المغتربين السودانيين) في ظل هذه القائمة المليارية!! والإجابة المحزنة ستكون على تراجيديا (سبعة صنايع والحظ ضائع) !! ولا ذنب يومئذٍ للمغتربين السودانيين سوى أن دولتهم لم تضعهم بعد في حسابات اقتصادها وسلم أولوياتها!!
* صحيح أن أزمة الاقتصاد الداخلية التي خلفت فارقاً هائلاً بين السعر الرسمي والموازي، هي التي جعلت المغتربين يهربون مرة باتجاه السوق الموازي، ويحجمون مرات عن التحويلات المالية محتفظين بأرصدتهم خارج البلاد !!
* غير أن ثمة ما تفعله الحكومة تجاه جذب المزيد من المدخرات والمساهمات للمغترب السوداني، فالآخرون الذين يرسلون المليارات الدولارية إلى بلادهم ليسوا أكثر منهم وطنية، بيد أن حكومات بلدانهم تمهد لهم الطرق وتقدم لهم الخدمات والحوافز الاستثمارية !!
* هاتفني أحدهم ذات أزمة الجواز الإلكتروني من المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية، على أنه مضطر أن يسافر بأسرته إلى مدينة جدة لطلب الجوزازت الإلكترونية، وذلك مما يجلب عليه ولأسرته المزيد من المتاعب والأعباء، سيحتاج لا محالة لترحيل وإيجار شقة وغياب عن العمل والمدارس و.. و.. و.. على أن دولة فقيرة، بل أكثر فقرا في العالم مثل بنغلاديش، تستقدم كل الخدمات لمنسوبيها ورعاياها في أماكن إقامتهم !!
* لست أنا هنا لأقدم درسا عن (كيف نجعل المغتربين قوة إيجابية ضاربة في اقتصاد الوطن)!! فلا أود أن أكون كما لو أنني أبيع الماء في حارة السقايين!! غير أن الذكرى تنفع المؤمنين !!
* يفترض أولا أننا نتجاوز ثقافة بيع السمك داخل البحر للمغتربين!! نموذج أراضي الوادي الأخضر الذي هو بلا خضرة وبلا زرع ولا ضرع!! نتجاوزها لتقديم سكن داخل مزرعة قابلة للخضرة والإنتاج والحياة !! فبدلاً من أن نرسل لهم مطربين محترمين مثل (ندى القلعة والقلع عبدالحفيظ) ليذكروهم بأعياد بلادهم الوطنية، وهم يومئذ أكثر منا ذكرى ووطنية، لأن قيمة الإحساس بالوطن تتجلى أكثر كلما ابتعدنا عنه!! يجب أن نهديهم في أعياد الاستقلال دراسات استثمارية قابلة للحياة ومحفزة للعودة والرجوع.. رجوع القمرة لوطن العماري.. فتصدير الغناء لا يحتاج إلى تسفير وتفسير، إذ لا شغل (لفضائياتنا الغنائية) غير ترسيخ مفهوم (السودان سلة غناء العالم)!!
* لا نحتاج إلى كثير عبقرية حتى نتمكن من جعل حصان المغتربين أمام العربة.. فبقليل من الجهد وكثير من الحكمة والاهتمام يمكن أن نجعل المغترب السوداني شريكاً أصيلاً في تنمية بلده وصناعة مستقبلها الزاهر.