« مثالب الشخصية السودانية تبقى أخطر مهددات التحول الديمقراطي والتطور الاقتصادي والنسيج القومي» .. الكاتبة ..!
(1)
الرضية بائعة كسرة – مخضرمة – كان لها رأي في رواية «العودة إلى الكسرة» التي اندلعت – قبل سنوات – بعد تصريح السيد وزير المالية السابق إياه .. قالت الرضية: إن مقدار الخبز المباع بألف جنيه أرخص من الكسرة المباعة بذات الثمن .. فحشرت – بذلك – اقتراح السيد الوزير في زمرة استدراك ماري أنطوانيت الشهير، بحسابات منطقية لتكلفة الكسرة التجارية ..! كل ذلك وأكثر كان مثاراً للجدل بسبب التفاف الناس حول المثل الذي ضربه الوزير وقتها، وانصرافهم عن مفهوم التقشف كمتغير اقتصادي يعقب زلزالاً سياسياً .. السبب لم يكن الحديث عن وجوب اتخاذ تدابير متقشفة لمواجهة الواقع الجديد، بل الأسلوب والمنهجية في انتقائية مفردات التصريح السياسي .. ذات الجدل الصحافي بخصوص الدعوة إلى التقشف ثار في بريطانيا، وفي ذات التوقيت، بعد أن دعا وزير الخزانة البريطانية إلى خطط تقشفية مماثلة .. فكان الحديث عن المبدأ هو مربط فرس التناول .. الصحف اليسارية تحدثت عن استهداف الفقراء .. بينما دافعت اليمينية عن جرأة الخطوة .. وهكذا .. التخلص من عجز الميزانية خلال أربع سنوات كان هدف وزير الخزانة الذي رفض تحذيرات معهد الدراسات المالية (أكبر مؤسسة بحثية في بريطانيا) .. فالطريق – بحسب تصريحاته الموزونة ببيض النمل – صعبة للغاية، لكنها تقود إلى مستقبل أكثر إشراقاً .. بينما عندنا أضحت «كسرة» السيد الوزير «مسألة» بحد ذاتها، بعد أن ألبست التصريح غلالة استفزازية، ألهت الناس عن مناقشة فجوة التصريحات الهائلة بين اطمئنان رئاسة الجمهورية وتشاؤم وزارة المالية، وشغلتهم عن مناقشة لعنة تضارب بعض التصريحات في بلادنا .. أما بالنسبة لعجز الميزانية ? الموضوع الرئيس ? فهو عندهم قد زال وهو عندنا لا يزال ..!ِ
(2)
الفرضية النقدية القائلة بأن «مصطفى سعيد» – بطل رواية موسم الهجرة إلى الشمال للأديب الراحل الطيب صالح – ما هو إلا رمز للامتزاج.. والتضاد.. والتناقض الإثني والاجتماعي والسياسي في هذا السودان الكبير، تُرجعنا إلى معضلة البُعد الثقافي.. وكأن الأدب يُخرج لسانه للسياسة قائلاً إن «الأنا» السياسية – في كل المجتمعات – لا تنفصل عن النظرة الكلية إلى «الآخر» .. وإن سداد النظرة الكلية إلى الآخر، أمر ينطلق من هوية ثقافية موحدة، وليس هوية سياسية مرقعة .. لقد عاش «مصطفى سعيد» جنوباً يحن إلى الشمال.. ورغم البِشر.. الدفء.. والخصوبة.. سار الثأئر في طريق الغرق.. كم هي صادقة بقدر قسوتها نبوءات الأدب .. أليس كذلك ..؟!
(3)
البقاء الطويل على كراسي الحكم في عالمنا الأفريقي الثالث هو الذي طمس معالم «شكلانية» الحكم الجمهوري.. وأفرز تقاليد حكم جديدة مثل توارث الكرسي .. ما حدث من طمس لهُوية الحكم في أفريقيا يدلل بشكلٍ ما على أن عدالة الحكم ليست في ملكيته من جمهوريته.. بل في تقنين «أدوار» و»دورات» مؤسسات الحكم .. هذه القارة الإفريقية كانت في حالة انسلاخ عن جلد الاستعمار الدولي عندما بليت باستعمار ساستها.. وهذا يشير بوضوح إلى أن فصول التحول التاريخي فيها لم تكتمل بعد.. ولن تكتمل إلا بحلول استقلالها الثاني ..!