حالة من الارتباك السياسي أصابت الحزب الشيوعي على خلفية عدم إتمام انعقاد المؤتمر العام السادس للحزب الذي كان مقرراً له ديسمبر المنصرم بجانب قضية المفصولين الخمسة والغموض الذي ما زال يكتنفها حتى اللحظة، بجانب محاضر الاجتماعات التي سربت مضابطها إلى خارج أسوار الحزب، هذه قضايا في مجملها شكلت تعقيدات سياسية تقف عائقاً أمام مسيرة الحزب.. وحتى يستبان سبر غورها جلست «آخر لحظة» إلى السكرتير العام للحزب المهندس محمد مختار الخطيب الذي أجاب عن كل الاستفسارات والتساؤلات حول هذه القضايا بسعة صدر، فإلى مضابط الحوار.
٭ ما هي التعقيدات التي تقف أمام انعقاد المؤتمر العام السادس للحزب؟
– المؤتمر كان من المفترض أن ينعقد في شهر ديسمبر الماضي كما هو معلن، والتعقيدات التي حالت دون ذلك هي مسائل مرتبطة برغبة الحزب كله في اتجاه أن يتم من خلال هذا المؤتمر تكريس مخرجات المؤتمر الخامس والمتمثلة في المضي قدماً نحو الديمقراطية التنظيمية والمؤسسية وتأهيل أفرع الحزب حتى تصبح أكثر تخصصية مع تفعيل العقل الجماعي من أجل المشاركة الكاملة لعضوية الحزب في مناقشة الأوراق المقدمة للمؤتمر عبر مناديب الأفرع حتى يستطيع المؤتمر أن يعبر عن حقيقة الواقع السوداني بشكل كامل من خلال الواقع الملموس وصولاً إلى تطبيق البرنامج السياسي للحزب وفق خطى ثابتة.
٭ ومتى سيتم تحديد موعد انعقاد المؤتمر؟
– في القريب العاجل حال الفراغ من اكتمال أعمال اللجان الفرعية للحزب.
٭ ما هي أبرز القضايا التي كان من المفترض مناقشتها عبر المؤتمر؟
– أبرز القضايا على المحور التنظيمي هي السعي نحو بسط مقومات الديمقراطية في الحزب، وهذا هو الأساس، لأن الحزب في ظل ظروف العمل السري التي مر بها منذ تأسيسه وحتى الآن كان يعمل تحت الأرض نتيجة استحواذ الأنظمة الشمولية علي الحريات، وبالتالي العمل السري يمنع ممارسة الديمقراطية بشكل واسع في الحزب، وهذا الوضع يجعل المركزية تطغى على الديمقراطية ونحن نسعى في الوقت الحالي إلى أن نستعيد هذه الديمقراطية إلى الحزب لنحقق تطلعاتنا في قيام مجتمع اشتراكي أكثر ديمقراطية من المجتمع الرأسمالي، وهذا لا يتأتى إلا عبر الديمقراطية.
٭ هنالك أصوات داخل الحزب نادت إلى تغيير شعار الحزب واسمه؟
– بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي، تم فتح نقاش واسع داخل الحزب استمر لمدة خمسة عشر عاماً تداولت فيه عضوية الحزب وكوادره وحتى أنه تم إعطاء الفرصة للقوى الديمقراطية التي تساند الحزب في التفكير حول إيجاد صيغ سياسية جديدة للحزب، وفي نهاية المطاف توصلنا إلى أن المنهجية الاشتراكية القائمة على النظرية الماركسية المسنودة على النهج السوفيتي هي الطريقة الصحيحة التي تستوجب أن نستمر بالاستشهاد بها واستخدامها في قراءة الواقع السوداني والعمل على تغيرها لصالح الطبقة العاملة والمزارعين وجموع الكادحين عبر عملية العقل الجماعي في تطبيق الممارسة السياسية في إشراك كافة عضوية الحزب في رسم الخط العام لسياسات الحزب وتوجهاته.
٭ هل هنالك اتصالات مع أعضاء الحزب بالخارج؟
– سياسة النظام القمعية أدت إلى هجرة الكثير من قواعد الحزب وعضويته إلى الخارج، ورغم أنهم بعيدون عن الوطن، إلا أن اتصالاتنا معهم راتبة ومستمرة، وحقوقهم محفوظة لدينا ويتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع به الشيوعي بالداخل.
٭ إلى أي مرحلة وصلت قضية الموقوفين الخمسة؟
– هي مسألة داخلية وما تزال التحقيقات جارية حول الكشف عن ملابساتها، وحينما يتم الفراغ من هذه التحقيقات سنرفع التقارير إلى اللجنة المركزية لاتخاذ ما تراه مناسباً بشأنهم.
٭ هل حزبكم محصن من الاختراق؟
– ليس هنالك حزباً في مأمن من الاختراق، ويبقى العمل في كيفية احتواء هذا الاختراق من خلال السعي نحو معرفة هوية المخترقين ودراسة الكيفية التي تمت من خلالها الاختراقات حتى نعمل على تنقية الحزب من أن يخترق، لأن هذا الاختراق يؤدي بأسرارالحزب إلى أن تتسرب إلى الخارج، ونحن عموماً نحاصر هذا الاختراق واستطعنا فعلاً أن نقلل منه.
٭ حديثك يؤكد أن الحزب الشيوعي بالفعل مخترق؟
– ما دام هنالك معلومات تنفذ من داخل الحزب وتنشر بوضعها الصحيح، فهذا يؤكد أن هنالك اختراقاً للحزب.
٭ أنت الآن على السطح لكنك تمارس التخفي فيما يخص الشأن السياسي على عكس سلفكم نقد الذي يتخفى ليرسم السياسات؟
– في الحقيقة كادر الحزب لا يتخفى لوحده، وحتى نقد لم يتخفَ لوحده وجرت العادة في أن كوادر الحزب الشيوعي يلجأون إلى التخفي السري عندما يكون هنالك خطر يتربص بالحزب و بالكادر نفسه، وحينها تأتي ظروف ممارسة النشاط السياسي من تحت الأرض، ولكن نحن الآن تحت ظروف علنية، حزبنا مسجل ودارنا مشرعة الأبواب، نمارس نشاطنا بداخلها، وصحيح النظام يمنعنا من عقد لقاءات مع جماهيرنا في الميادين ويضيِّق علينا، لكننا نستطيع أن نمارس أنشطتنا وفق رؤانا…
٭ مقاطعة: منذ مجيئكم إلى موقع السكرتير لم تضع بصمات واضحة ملموسة على الحزب؟
– من «وين جبت المعلومة دي؟»، نحن موجودون في الساحة السياسية ومؤثرون في العمل السياسي وخطنا السياسي واضح تتبناه الجماهير، نحن في الطريق إلى إسقاط هذا النظام على أوسع جبهة جماهيرية، ونعمل على تكوين هذه الجبهة الواسعة في سبيل هذا الهدف.
٭ هل من السهولة إسقاط النظام كما ترون؟
– هذا النظام يمر بمرحلة توازن قوى ليست لصالحه، وكل الجماهير وصلت إلى قناعة بأن هذا النظام ليست له أي إمكانية في إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية يمكنها أن تنقذ البلاد ولا سبيل إلا عبر إسقاطه.
٭ لكن إسقاط النظام نغمة ظللتم ترددونها ردحاً من الزمان دون فائدة؟
– العمل النضالي عمل تراكمي، وهذا العمل التراكمي في يوم من الأيام سيتحول إلى تقييم كيفي، وهذا ما حدث سابقاً في انتفاضتي«64 و85» حينما كان نظام عبود يقول بأنه لن يسلم البلد إلا للنبي عيسى وحينما كان النميري أيضاً يتحدث بأن لن يكون هنالك رئيس سابق، ولكن عندما قالت الجماهير كلمتها كانت الثورة والانتفاضة على نظامي عبود ونميري ودفعتهما إلى مزبلة التاريخ.
٭ بصراحة.. هل باستطاعة الحزب الشيوعي إسقاط الحكومة؟
– قد لا يرى الكثيرون مثلما نرى، فنحن في الحزب الشيوعي ثوريون لنا طاقاتنا الكامنة ونقرأ الطاقات الموجودة داخل الشعب السوداني، ونحن على يقين من نجاحنا في إزالة هذا النظام في أقرب فرصة.
٭ هنالك حديث بأن حزبكم فقد بريقه ولم يعد يواكب الحداثة والمرحلة السياسية الحالية؟
– لا أعتقد ذلك، والدليل أن خطنا السياسي هو الذي يملأ الساحة حالياً.
٭ لماذا موقفكم متعنت تجاه الحوار الوطني؟
– نحن موقفنا واضح من الحوار، وهذا الحوار الذي يجري في قاعة الصداقة يقوم في أساسه على أن يكسب النظام أوقات إضافية يسوق من خلالها نفسه بثوب جديد، ونحن ضد هذا الحوار ولا نعترف به ولا بمخرجاته ما لم يتجه النظام بصدق نحو حلحلة أزمة البلاد السياسية بجدية وشفافية.
٭ إذا التمستم الجدية من قبل الحكومة، هل سيجعلكم ذلك تدخلون في الحوار؟
– نحن على استعداد أن نجلس للحوار عندما يحدث تغيير في توازن القوى بصورة واضحة نحو الجماهير في سبيل أن يدفع النظام مطلوباتها.
٭ وما هي تلكم المطلوبات التي تنظرون إليها؟
– نريد أن نضمن أن الحوار سيأتي بنتائج مثمرة ومنتجة في سبيل حل الأزمة السودانية، وهذا لن يتم إلا بعد دفع المطلوبات التي وضعناها والمتمثلة في إيقاف الحرب وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، كذلك لا بد أن يعترف النظام بأن الأزمة التي تمر بها البلاد هي نتيجة لسياساته، والاتفاق على قيام حكومة انتقالية تحدد بأربع سنوات تعمل على تهيئة البلاد نحو المناخ السياسي المناسب، وعندها يمكننا أن نؤسس مع الجميع إلى الدستور الدائم للبلاد.
٭ وماذا بشأن التفاهمات التي تمت بينكم والأمة القومي في التنسيق في المواقف؟
– حزب الأمة كان يؤمل بأن هذا النظام ممكن أن ينصاع إلى اجتماع تحضيري وعقد دستور قومي مع القوى السياسية، لكن النظام رفض الاجتماع التحضيري وحتى مقترح الحكومة الانتقالية تم رفضه من قبله، وهو بذلك لا يريد أن يضع يديه على أيادي الناس في سبيل إخراج البلاد من أزماتها، والصادق المهدي بعد أن وصل إلى قناعة بأن هذا النظام ليس له أي استعداد للجلوس والتفاوض، دفع بنفسه مرة أخرى نحو تحقيق الانتفاضة لاعتبار أنها الوسيلة الوحيدة لاقتلاع هذا النظام، وهذا هو التقارب الذي تم بيننا من جديد، بأن نعمل سوياً في نداء السودان من أجل إسقاط النظام.
٭ هل الرهان السياسي يشجع نجاح عملية استفتاء دافور؟
– هذ الاستفتاء لا يمكن أن يتم في ظل الظروف الحالية للبلاد، وذلك لأن دارفور في الأصل كانت إقليماً واحداً قبل قرن من الزمان، وما تم من عمليات تقسيمها إلى ولايات لم يتم وفق إرادة أهل دارفور، إضافة لذلك الوقت غير مناسب، لأن الحرب ما تزال مستعرة في الإقليم، وهنالك أكثر من مليوني نازح من أبناء الإقليم على تخوم دول الجوار، فعدم الاستقرار هذا لن يجعل عملية الاستفتاء شفافة.
٭ في تقديركم ما هي الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمات البلاد؟
– هذه الأزمات ناتجة من الحكومة وتبنيها لسياسات التحرير الاقتصادي، والرأسمالية الطفيلية على الإطلاق لا تعمل في العمل الإنتاجي، بل تعيش على أكتاف المنتجين، وهنالك شواهد على التدمير الذي حدث لكافة مقومات العمل الزراعي والصناعي وبالانفصال فقدنا عائدات بترول الجنوب، والحكومة الآن غير قادرة على أن توفي متطلبات شعبها، لذلك تعيش على الديون.
حوار: أيمن المدو
صحيفة اخر لحظة