نرجو أن يكون منهجنا في هذه الحياة الدنيا ألا ننتصر لأنفسنا إنما لما نراه حقاً وأن نقر بالحق متى ما تبين.
أقول هذا بين يدي ما لمسناه من مكاسب بدأت تتحقق لبلادنا، بأعجل مما توقعنا ، جراء الاتفاق الجديد مع دولة الجنوب حول رسوم عبور النفط أو فتح الحدود بين الدولتين فقد كان قرار رئيس دولة الجنوب سلفاكير سحب قواته مسافة خمسة أميال داخل أراضي الجنوب على امتداد الحدود أمراً إيجابياً بحق، وأعتقد أنه رغم الخداع الذي مورس في السابق والخرق المتكرر للاتفاقيات المبرمة مع السودان فإن رئيس دولة الجنوب ينبغي أن يكون قد أدرك الآن بعد التجارب المريرة التي عاشها وبلاده التي باتت تترنح بل وتحتضر وتوشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة؛ أنه لا مجال له غير الالتزام الصارم بالاتفاق الأخير وتقديم كل مرتخص وغال في سبيل إنفاذه إنقاذا لبلاده من حالة الموت السريري التي تعاني منها، ذلك أن نكوصه هذه المرة يعتبر لعباً بالنار لن يؤدي إلا إلى الموت الحتمي لدولته المأزومة.
كذلك من المكاسب التي تحققت للسودان تزويد مصفاة الخرطوم ومحطة كهرباء كوستي بالنفط في حدود (28) ألف برميل مع تشغيل حقول الوحدة.
علاوة على ذلك، وربما أهم ، فإن فتح الحدود للتجارة بين الدولتين من شأنه أن يحقق مكاسب جيدة للاقتصاد السوداني المنهك وللمواطنين في الجانبين وينهي تهريب البضائع الذي كان يتم بصورة غير شرعية يفيد منها البعض بعيداً عن الدولة وليت وزارة المالية تضع الضوابط اللازمة لكبح جماح أي ممارسات فاسدة.
صحيح أننا كنا ولا نزال نخشى من التداعيات السالبة لفتح الحدود مما يمكن أن يأتي بملايين اللاجئين الجنوبيين الهاربين من الحرب الأهلية المشتعلة في دولة الجنوب خاصة من حيث الضغط الكبير على الخدمات الشحيحة أصلا مما يمكن أن يزيد من الاختناقات ويتسبب في ندرة أو اختفاء بعض السلع الرئيسية خاصة الغذائية هذا فضلا عن خدمات الكهرباء والمياه في الخرطوم والمدن الأخرى مما يمكن أن يتسبب في ضيق وضجر خلال الصيف يعبر عنه المواطنون بصورة حادة.
كذلك يخشى مما يترتب على الهجرة بأعداد كبيرة من تداعيات أخرى سواء اجتماعية أو سياسية أو أمنية.
صحيح كذلك أن قرار فتح الحدود لا يتعارض مع اتخاذ التحوطات اللازمة وإعمال الضوابط المطلوبة للحيلولة دون تلك التداعيات السالبة ولا يعقل أو يتصور ألا تسجل أسماء اللاجئين القادمين من الجنوب ذلك أنه حتى الدول التي تعفي مواطني دول أخرى من الحصول على تأشيرة الدخول إليها لا تتهاون البتة في أمر تسجيل الأسماء والتحقق من الأوراق الثبوتية للقادمين.
كذلك لا ينبغي بأي حال أن يترك اللاجئون على هواهم وينبغي أن تعد لهم معسكرات في الحدود ثم يمكن بعد ذلك تحديد وجهتهم وفقاً للسياسات التي تتخذها الدولة.
أعتقد أن أكبر المهددات المتعلقة بدعم دولة الجنوب لقطاع الشمال العميل التابع لها وللحركة والجيش الشعبي (لتحرير السودان) سينتهي إلى الأبد وأعتقد أنه قد آن الأوان للرئيس البشير أن يطلب من سلفاكير تعديل اسم الحزب الحاكم في الجنوب بما يزيل تلك العبارة الاستفزازية (تحرير السودان) إذ لا يجوز بأي حال أن يستمر ذلك الهدف العدائي تجاه السودان حتى بعد أن انفصل الجنوب في دولة مستقلة.
لن يكون اللاجئون القادمون إلى السودان هذه المرة بذات الروح العدائية التي كانت الحركة الشعبية تعبئ بها الجنوبيين قبل الانفصال وتحرضهم وتمنيهم باحتلال الخرطوم وإخلاء الشماليين من بيوتهم مما رأينا طرفاً منه خلال أحداث الإثنين الأسود في أغسطس 2005 بعد توقيع نيفاشا بل حتى في أحداث الأحد الدامي في ديسمبر 1964 فذلك كله أصبح من الماضي ولم يعد الجنوبيون مواطنين سودانيين حتى يعبروا عن تلك الروح العدائية إنما يأتون اليوم لاجئين بعد أن شهدوا مأساة انفصالهم الذي اختاروه بمحض إرادتهم بعد أن منوا أنفسهم بالجنة في دولتهم المستقلة الجديدة التي كانوا يحلمون بها بعد (الاستقلال) من (المستعمر الشمالي البغيض)!
رأوا بأم أعينهم أن ذلك (المندكورو) البغيض كان أرحم بهم من رحمتهم لأنفسهم حيث قتلوا بعضهم بعضاً بصورة ربما لم يشهدها التاريخ الحديث.
أتوقع أن تناقش اللجان المختصة من الجانبين كل القضايا العالقة بما في ذلك ترسيم الحدود وليت القائمين على الأمر لا يركنون إلى ما أتيح من مكاسب ويعتبرونها دائمة ذلك أن الحكمة تقتضي اتخاذ التدابير البديلة تحسباً لأي طارئ قد يعكر صفو العلاقة من جديد ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل فتح الحدود.