يبدو أن كتاباتي بـ(المجهر) عن ثقافة الملكية الفكرية قد بدأت تؤتي أُكلها، والشاهد أن الأخت الفنانة “هادية طلسم” وشقيقتها الأخت الفنانة “آمال” قد اتصلتا في محادثتين مطولتين عن قوانين الملكية الفكرية وانصب الحديث في البداية عن الحق المجاور، وعشان أبسط الموضوع أقول إن “البلابل” لهن الحق المجاور في أصواتهن وهن يصدحن بكل هذا الكم المقدر من أغانٍ ألفها عدد من الإخوة الشعراء المجيدين وكلها من ألحان الموسيقار الكبير “بشير عباس”– صاحبا الحق الأصيل هما المؤلفان الشاعر والملحن- ولـ”لبلابل” الحق المجاور مثلاً: أغنية (حبايبنا) من تأليف “التجاني حاج موسى”، ألحان “بشير عباس”.. أطراف هذه العلاقة الإبداعية هم (الشاعر + الملحن) صاحبا حقين أصيلين.. و”البلابل” صاحبات الحق مجاور وهو عبارة عن أصواتهن وهن يؤدين الأغنية، ثم الفرقة فنانو الأداء وهم أصحاب حق مجاور.. كويس.. “هادئة” محتجة وبتنتقد قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة وبتقول إنو ظلم المؤدي الذي يصدح بالأغنية والمُشرِع كان مفروض يساويه بالشاعر والملحن ويكون المؤدي صاحب حق أصيل زيو زي الشاعر والملحن، وما مقتنعة بي حكاية الحق المجاور، ودفعها الموضوعي إنو المؤدي هو الذي أشهر الأغنية.. وسبب زعلها إنو القانون أعطى المؤلف (الشاعر والملحق) الحق في أن لهما الحق في التصرف في مصنفهما.. يعني في المثل الذي ذكرته، أغنية (حبايبنا)، يعني شخصي شاعر الأغنية والملحن الموسيقار “بشير” أعطانا القانون الحق في أن نأذن لأي مؤدٍ آخر بأداء (حبايبنا).. طبعاً فلسفة المُشرِع في إعطاء هذا الحق للمؤلف من أجل أن يستأثر بحقه المادي في مصنفه الإبداعي مدى حياته ويؤول هذا الحق لورثته، ولعلم القارئ الكريم كل الاتفاقات الدولية وقوانين حق المؤلف والحقوق المجاورة أمنت على مسألة هذا الحق الأصيل الذي منحته للمؤلف.. طيب و”البلابل”؟! حقهن في غنائهن للأغنية، أول ما يسمعن أصواتهن وهن يصدحن بي (حبايبنا) عبر أية آلة ناقلة للصوت للجمهور يجوز لهن رفع الدعوى القضائية هذا إذا لم يستأذنهن الناقل لأصواتهن وهن يغنين الأغنية آنفة الذكر.. بالطبع يجوز رفع الدعوى والمطالبة بالتعويض المادي إذا لم يستأذنهن ذلك الناقل (إذاعة، تلفزيون أو أي وسيط آخر، قرص سي دي أو فلاش أو كاسيت أو شريط سينمائي)، وهن أيضاً يتمتعن بهذا الحق المادي طوال حياتهن ونصف قرن وفاتهن- بعد عمر طويل إن شاء الكريم- ويؤول هذا للورثة.. والمُشرِع وضع في الاعتبار أن المؤدي يتقاضى أجراً مادياً فهو الذي يؤدي الأغنية للجمهور في العديد من المناسبات.. وأصحاب الحق الأصيل لا يستطيعون تتبع المؤدي وهو يؤدي مؤلفاتهم وفي الغالب الأعم هُن اللائي يستأثرن بالحق المادي والفرقة الموسيقية. لذا، حتى تترتب أوضاع الحقوق يجب أن يجلس أطراف هذه العلاقة الإبداعية للاتفاق حول الكيفية التي تحفظ الحق المادي لأصحاب الحق الأصيل وأصحاب الحقوق المجاورة، وذلك بإبرام عقود قانونية تحدد الكيفية التي يستغل بها المصنف الإبداعي.
سألتني الأخت الفنانة “هادية طلسم”: (طيب إذا تعاقدت معاك أنت والأستاذ “بشير عباس” وأديتكم المقابل المادي في أغنية “حبايبنا” أشعارك وموسيقى “بشير” بتدوا الأغنية لفنان تاني ليه؟). رديت عليها: (إذا أنا و”بشير” تنازلنا لـ”البلابل” على سبيل تخصيص الأغنية ولهن وحدهن حق أدائها، لو أذنا لفنان آخر بأدائها نقع تحت طائلة القانون، ويجوز لـ”البلابل” رفع الدعوى القضائية أمام محكمة الملكية الفكرية ولهن الحق بالمطالبة بالتعويض المادي المناسب).. لأن الحق الأصيل لنا انتقل بالتعاقد لهن وأصبحن يمتلكن الحق الأصيل والمجاور، وبالتالي لهن الحق في التصرف في الأغنية بالكيفية التي يردن بها استغلالها.. لذلك أنصح أصحاب الحقوق الأصلية بعدم إبرام العقود التي تسلبهم هذا الحق فيصبحون كمن باع بقرته الحلوب للراعي.