نزيف هجرة الأطباء.. الحلول بيدكم

المفارقات، في هذا البلد لم تعد تدهش أحداً لكن تزامنها هو، المؤلم حقاً.. تزامن ترحيب وزارة الصحة برغبة دولة الكويت الشقيقة في التعاقد مع أطباء سودانيين بمختلف التخصصات الطبية في نفس اليوم الذي تصرخ فيه وزارة الصحة نفسها وتقول إن مستشفيات السودان الولائية خالية من الأطباء والأجهزة المتطورة، وتتحدث الأخبار عن نقص حاد في الأطباء العموميين والكوادر المساعدة في الولايات ..!
ولا تحتاج صحف الأربعاء إلى أكثر من وضع هذين العنوانين المتنافرين بجوار بعضهما غصباً وعنوة بأمر تزامن المفارقة.
القضية فعلا ًمعقدة، فمثلما نستنكر إجراءات وزارة الصحة في منع الأطباء من الهجرة ومحاولة تقييد حريتهم ووضعهم في ما يشبه الإقامة الجبرية ونعتبر ذلك أمراً يمس حقهم الطبيعي في تحديد خياراتهم في العمل حيثما يسهل الله لهم رزقهم، فإننا في نفس الوقت لا نعتبر نزيف هجرة الأطباء في مثل هذه الظروف أمراً طبيعياً بأي حال من الأحوال، فالوزارة التي تحتاج في مستشفياتها للأطباء والاختصاصيين وقد تضطر لاستقدامهم واستيرادهم من الخارج كما تستورد البلاد كل شيء، من الواجب على هذه الوزارة أن تبحث عن سبيل لتحقيق استقرار نسبي لهذه الشريحة المهنية ومراجعة أجورهم بشكل جاد والعمل على الاحتفاظ بمن تحتاجهم البلاد من الاختصاصيين السودانيين للعمل في بلدهم فليست الهجرة والعيش بعيداً عن الوطن هو الخيار الأول لأي شخص لو توفرت له وضعية لا نقول مماثلة للوضعية المادية التي قد تتوفر له في المهجر لكن على الأقل وفروا له ما يعادل ربع ما يحصل عليه خارج الوطن .
فأحلام السودانيين في سنوات الهجرة الأولى تكون محصورة ومحدودة في تحقيق وضع معيشي مستقر لهم وحد معقول من احتياجات الحياة لكنهم وبعد أن يمضوا سنوات طويلة في المهاجر قد تتعقد عند الكثير منهم شروط العودة للوطن مهما كانت المغريات، ولذلك ليس مستحيلا ًعلى الحكومة أن تحافظ على بقاء النسبة التي تغطي احتياجات الولايات من تلك الكوادر التي تتوفر لها فرص ساخنة للعمل في الخارج ..
وجود الطبيب الاختصاصي في أي مستشفى ولائي في مدينة من مدن السودان ودوره لا يقل أهمية عن دور الموظف الدستوري الأول في تلك المدينة أو تلك المحافظة، فهل عجزت الحكومة يوماً من الأيام عن توفير وزير أو معتمد لأي محلية في السودان..؟ الإجابة لا..
إذن الحكومة لن تعجز عن تحقيق ذلك لو سعت جاهدة لتحقيقه، فنحن نعرف أن الحكومة كانت في وقت من الأوقات تتعاقد مع كوادر سودانية فنية في مجالات مختلفة بصفات تنفيذية واستشارية وتدفع لهم ما تدفع. وتواجه بانتقادات من البعض لمثل هذه العقودات لأن فائدتها لا تكون مباشرة وملموسة بالنسبة للمواطن لكن مهما دفعت لاختصاصيين ومهما صرفت من أموال في الخدمات الصحية فإنه لن يقف مواطن ويحتج على ذلك فتلك خدمات أساسية للمواطنين فصحة المواطن هي أغلى ما عنده .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

Exit mobile version