٭ حجة الذين يدعون إلى «التطبيع»، وليس مجرد إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، هي الوصول إلى إقامة علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة تجنباً للحصار والمقاطعة والعقوبات الاقتصادية الأمريكية.. وهي حجة خائبة بكل المقاييس.. فالولايات المتحدة لا تقاطع حكومة السودان لأنها تشكل خطراً يتهدد إسرائيل.. فإذا مازال هذا الخطر بـ «التطبيع» تصبح العلاقة سالكة وسمن على عسل مع واشنطن.
٭ فواشنطن تقاطع وتعاقب الخرطوم لأسباب سياسية في المقام الأول، صنفت بمقتضاها حكومة الخرطوم الإسلامية، التي اتهمتها في أوقات سابقة (العشرية الأولى) برعاية الإرهاب بعد أن أصبحت الخرطوم ملاذاً آمناً للشخوص والجماعات المصنفة إرهابية.. من بن لادن إلى الظواهري إلى مصطفى حمزة إلى كارلوس، وتنظيمات الجهاد المصرية والقاعدة والعائدون من أفغانستان بمختلف سحنهم ونحلهم.. هذا غير الضغوط التي كانت تمارسها من أجل فصل الجنوب ولاحقاً دعم الحركات المتمردة في دارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق).. حتى تبلورت شروطها أخيراً.. في وقف الحرب وإقامة «نظام ديمقراطي».. وهي شروط مشكوك في صحتها وصدقيتها على كل حال.. بالنظر إلى ما نراه من من السلوك الأمريكي تجاه النظم الحاكمة في المنطقة وفي كل مكان من العالم.. لكن ما يهمنا هنا هو التأكيد على أنه ليس من بين هذه الشروط إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، حتى يتخذها دعاة التطبيع ذريعة تبرر مطلبهم الغريب.
٭ بعض الحكومات العربية التي أقامت علاقات من خلف الإجماع العربي العام.. وهو ليس إجماعاً حكومياً فقط بل أكثر من ذلك هو بعض ثوابت الأمة العربية المؤسسة على صراع وجود لم تخبُ نيرانه في يوم من الأيام، منذ فجر التاريخ المدون.. بعض هذه الحكومات التي أقامت علاقات خجولة تمثل بشكل أو آخر جزء من «مؤامرة كبرى» نسجت خيوطها الصهيونية العالمية.. وهي المؤامرة التي يجري تنفيذها حالياً على الأرض العربية تحت مسمى «الشرق الأوسط الكبير» الذي تولت كبر إعلانه وزيرة الخارجية الأمريكية ومستشارة الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس السابق جورج بوش.
٭ كان مدخله الحرب العراقية- الإيرانية ومن بعد غزو العراق (2003) وهو الغزو الذي من أهم أهدافه.. بالاضافة إلى تقسيم العراق والمنطقة إلى دويلات وكانتونات على أسس عرقية وطائفية وجهوية.. كان من أهم أهدافه تدمير الجيش العراقي الذي كان حينها أقوى جيش في المنطقة (54 فرقة قوام كل منها نحو 12 الف جندي مزودة بأحدث العتاد وأقوى أنواع التسليح).. ذلك حتى تصبح إسرائيل في منأى عن خطر أي تضامن أو وحدة عربية.. وهذا ما حققه الحاكم الأمريكي جون بريمر، بالاضافة إلى ملاحقة العلماء العراقيين، خصوصاً في المجالات النووية والكيماوية والفيزئاية والتقنيات المتطورة، والقضاء عليهم بالتصفية الجسدية أو السجن او التشريد.. وكلها أهداف تصب في خانة الأمن الإسرائيلي والمخططات الصهيونية بامتياز.
٭ هل اسمع السادة دعاة التطبيع لخطاب الرئيس أوباما الأخير حول «حالة الاتحاد».. الذي كان أهم ما ركز عليه هو أمن إسرائيل، غير الحديث عن «حقوق الإنسان والديمقراطية».. المزعومة.. ومع ذلك يتوقعون أن تصبح تلك الدعوة معبراً إلى قلب واشنطن الذي تتناوشه أنياب الثعالب الصهيونية.
٭ نقول للسيد عبد الله دينق ولكل دعاة التطبيع أنكم أخطأتم الطريق المفضي إلى ذلك القلب القاسي والمفعم بالأطماع الأمبريالية.. فأبحثوا عن طريق آخر أكثر أمناً واستقامة يأخذكم إلى قلوب شعبكم، وحينها ستسقط كل تدابير الحصار والعقوبات، وينهض الوطن خارج مظلة الرضا الأمريكي، لتأتي أمريكا طائعة مختارة ومن خلفها حلفائها يخطبون ود السودان.