استوقفني فيديو عابر للاسافير .. عبارة عن تقرير يوثق ليوم من الايام في حياة وزير مهم لوزارة حيوية في الحكومة النرويجية .. أول ما لفتني فيه هو عمر الوزير الاربعيني (الشاب)، ثم راقني مكتبه الصغير البسيط الذي لفت نظر مقدم البرنامج فسأل عنه الرجل الذي اجاب ضاحكا بأن مكتبه ليس بالصغير ويكفى لنشاطه الذي يقوم به عبره ..
تابعت الكاميرا الوزير في نهاية اليوم العملي وهو يحمل حقيبته ويغادر المكتب وحيدا دون زفة ولا هيلمانة كبكبة ولا حاشية من الكبكابة ليركب في سيارة صغيرة تابعة للحكومة تعودت ان توصله فقط ليأخذ اطفاله من المدرسة والحضانة القريبة ثم يعود معهم مشيا على الاقدام للبيت البسيط الذي يقع في منطقة سكنية متواضعة اقرب للاحياء الشعبية ..
حسنا يا جماعة .. ومع ظلم المقارنة لكن ذكرني التقرير بمشهد رأيته عيان قبل ايام .. فمن ضمن جولاتي المكوكية الصباحية مررت من امام منزل فخم في حينا يقيم فيه احد الشخصيات السياسية العامة .. كانت تقف بالقرب من الباب عربة فارهة بها سائق وعدد من الحرس يقفون على اهبة الاستعداد بين باب السيارة الخلفي المفتوح وباب البيت وقبل ان اتجاوزهم رأيت الرجل يخرج في كامل زينته ونظارة سوداء تغطي ملامح وجهه ليسرع الى السيارة ويندس داخلها وتنطلق به بعد ان اغلق الحرس الباب وركب احدهم بجوار السائق ..
في المساء حكيت لسيد الاسم ووصفت له (طلعة) قارون ذو الحظ العظيم وقدلته في زينته ثم سألته تشمرا عن المنصب الذي يشغله الرجل الان، فأجابني بكل بساطة ان -سيادته – قد نزل للمعاش ومن هم مثله يتقاعدون بكامل مخصصاتهم .. فتمتمت دهشة:
(مخصصات مدى الحياة .. دستور يا اسياد) ؟!!
وحسنا ثانية يا جماعة بما ان الشي بالشي يذكر ففي احد مواسم برنامج خواطر الشقيري كان يتحدث عن الشفافية وقيم العدل والمساواة والممارسة الديموقراطية وارتباطها بالرفاهية وسعة العيش التي ينعم بها المواطنون في دول تلتزم بصفات هي من صميم صفات الحكم الرشيد، وان الفقر والبطالة والجريمة والفساد المالي والاداري كلها مرتبطة بـ الدكتاتوريات وسوء الاداء الحكومي وارتفاع معدلات انتهاكات حقوق الانسان ومكاوشة المال العام .. ولان الشقيري رجل حيي لبق فقد اتخذ مثالين بعيدين كل البعد عن عالمنا العربي والاسلامي منعا للاحراج .. وهما الكوريتين الشمالية والجنوبية .. جارتان والفرق بينهما كالليل والنهار .. شمالية ترزح تحت دكتاتورية وفقر وتخلف وقنابل هيدروجينية ، وجارتها بالحيطة جنوبية تنعم بديموقراطية محلاة بالرفاهية وواحدة من اعلى معدلات دخل الفرد في العالم ..
الطريف ان الشقيري ذكر ان اعلى معدلات استباحة المال العام والاختلاسات موجودة في دول العالم الثالث ثم عرض خارطة يغطيها اللون الاحمر لافريقيا وذكر ان معدي البرنامج قاموا بتلوين الخريطة بدرجات اللون الاحمر على حسب درجة الفساد في تلك الدول !!
كر علينا .. فقد كان السودان ضمن الحزام الـ (كبدي) لا يتفوق علينا في قتامة حمار اللون الا نيجيريا وبعض دويلات الجنوب غرب الافريقي !!
وحسنا أخيرة يا جماعة .. تتحدث المدينة هذه الايام عن نزاهة الرجل الذي غادر منصبه مؤخرا كما غادر المنزل والمخصصات وكل زينة الوظيفة ليعيش بعيدا في مزرعته الخاصة .. وكأن في الأمر بدعة !! وما الغريب في هذا ؟ وهو ما يفعله (عادي) اي مسئول سابق دون زيطة في كل الدول التي تحترم مواطنها الانسان ناهيك عن ان تكون رافعة لراية الاسلام ..
جيوش المسئولين السابقين واللاحقين الذين يأكلون من سنام مواردنا الشحيحة هم كـ شرا واجب الحت ليبقى ما ينفع الناس .. يقال أن النساء اكثر نزاهة والتزاما من الرجال .. طيب مع ازمات شح الميزانيات واختلال الموازنات .. كدي ادونا فرصة .. دعونا نجرب تقويم ما مال به الحال بـ طريقتنا الناعمة ..
مخرج:
همسة في اذن من يهمها الامر .. كدي اول بي التبادي:
اقلي البن .. اقلي البن وحتي الشرا !!