إن كان ثمة إشادة، فيجب أن توجه إلى قرار وزير الدفاع عوض بن عوف القاضي بإلغاء (14) رسماً من رسوم الخدمة الوطنية وتخفيض (7) رسوم أخرى، ولا شك أنها خطوة تجد كل الرضا من غالبية الأسر السودانية التي أثقل كاهلها تعدد وكثرة الجبايات والتي تؤخذ بلا رحمة أو شفقة، ولا مراعاة لفقير أو محروم أو معدوم .. كثرة الرسوم وتعدد الجبايات باتت أمراً لا يطاق من فرط تنوعها والقسوة في جمعها، لذلك فإن أي إجراء من شأنه تخفيف العبء على المواطن سيدخل السرور الى كل بيت اكتوى بنيران هذه الجبايات التي أصبحت المورد الأهم في دولة الجبايات، وقطعاً سيكون هذا القرار محل ترحيب، من كل الناس، ولعل قرار الوزير في هذا الجانب يدخل في نطاق الحديث الشريف الذي أخبرت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في بيتها:(من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم اللهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم اللهم فارفق به).
فالقرار في تقديري كان بمثابة مصباح تم تسليطه نحو مكان تلفه العتمة بظلامها الدامس ، وتعيش بداخله الخفافيش التي لا تقوى على مواجهة النور.. فأما المكان المظلم فهو المؤسسات الحكومية والمحليات التي أدمنت جمع الجبايات والتحصيل بنهم حتى من (ستات الشاي وماسحي الأحذية) وذلك لتغطية احتياجاتها غير المحدودة ومقابلة صرفها البذخي والحوافز لجيش جرار (ما شغال حاحة)… وأما الخفافيش التي لا تقوى على مواجهة النور، والتي أزعجها (نور) القرار فهم المسؤولون أصحاب العقلية الجبائية الذين حولوا نظام الحكم إلى سلطة جبايات لا تفكر إلا في جمع المال و(تجنيبه)، وهو أمر عطل عجلة الإنتاج فتوقفت المصانع، وهجر كبار المزارعين الزراعة واتجهوا إلى عالم استيراد الكريمات ولعب الأطفال (النفايات) المسرطنة وكل ذلك هو ما فعلته العقلية الجبائية التي تدار بها البلاد على نحو ربع قرن من الزمان، فدمرت المنتج المحلي وقصمت ظهره بكثرة التحصيل.
قرار وزير الدفاع لم يفضح الوضع الذي كان سائداً في الخدمة الوطنية فحسب بل أثبت عملياً أن هناك كثيرا من الرسوم غير القانونية وغير المنطقية التي ظلت ولا تزال تزيد المواطنين رهقاً إلى رهقهم ومعاناة إلى معاناتهم تحتاج إلى مراجعة فورية، وإذا كان وزير الدفاع (ابنعوف) قد انتبه إلى هذا الخلل واتخذ قراراً واضحاً لمعالحته وصحح الوضع في الخدمة الوطنية ومنسقياتها، فإننا نأمل أن يكون قرار وزارته محفزا للمسؤولين الآخرين ليحذوا حذوه من باب تخفيف العبء على المواطنين ومعالجة الاختلالات الأخرى وما أكثرها وأشدّها ضرراً على المواطن.
القرار يعكس ملاحظة أخرى وهي طالما أن الخدمة الوطنية وحدها يوجد بها خلل كبير يتمثل في وجود (21) رسماً يحتاج الى معالجة، فلابد أن هناك كثيرا من المؤسسات والوحدات الحكومية الأخرى تحتاج إلى مثل هذه المراجعة والمعالجة… اللهم هذا قسمي فيما أملك….
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.