يمثل الليمون عنصراً ثابتاً في معظم تركيبات الطب الشعبي في السودان، وكما أن المغني في الجزيرة العربية شبه حبيبته باللومي الـ (حامض حلو)، فإنّ شعراء الأغاني عندنا يشبهون الحبيبة بالليمونة (ولا أفهم هل في ذلك مدح أم ذم للمحبوبة!)، وأعتقد أن الليمون فاز بمكانة عالية في الشعر الغزلي في عصر لم تكن فيه هناك فواكه عليها القيمة رائجة في الكثير من الدول العربية ذات المناخ الصحراوي.
نستخدم عصير الليمون لمعالجة الاضطرابات الهضمية، وخاصة الناجمة عن التسمم الغذائي (والطب الحديث ينصح بذلك من منطلق أن عصير الليمون يعوض الجسم المواد التي فقدها نتيجة الاستفراغ أو الإسهال، وبالمناسبة فإنني لا أتعاطى المشروبات الغازية، ولكن أكثر من طبيب نصحني بشرب سيفن أب لتفادي فقدان السوائل نتيجة تسيب في الجهاز الهضمي لأنه يحتوي أملاحا ضرورية، وهذه ليست دعاية مجانية لهذا المشروب لأنني شخصيا لا أطيق مذاقه). ما علينا: نمسح الليمون على الجرح كي لا يتلوث، أما إذا تعرضت للدغة عقرب فإنهم يعطونك عصارة الليمون الصافية أي غير المخلوطة بالماء، وعلى مسؤوليتي فهو ترياق مضاد قوي لسم العقرب.
وقبل أن نسلم رقابنا وبلاعيمنا وأجهزتنا الهضمية للمشروبات الغازية كي تفتك بها، كنا نقدم للضيوف عصير الليمون، بل كان ذلك العصير أساسياً في المائدة الرمضانية. وبما أنني من أنصار الطب الشعبي المُجرَّب، أي الذي ثبت بالدليل القاطع فعاليته وعدم إضراره بالجسم، فما زال الليمون في نظري مادة فعالة إزاء العديد من الأمراض، وابتعدت عنه مرغماً بعد أن صار يسبب لي حموضة وحرقة في المعدة شديدة. ثم وخلال تسكعي في الشوارع الخلفية للإنترنت توقفت عند موقع يتعلق بتخليص الجسم من السموم detox من خلال حمية اليموناده lemonade diet واكتشفت أن آلاف الناس في مختلف أنحاء العالم يتبعون تلك الحمية التي أراها ضربا من تعذيب النفس، فهي تتطلب الصوم، ولا شك في أن الصوم يساعد الجسم على التخلص من بعض السموم والدهون، ولكن ما يعقب الصوم بموجب تلك الحمية هو الذي يحيرني: عليك مقاطعة الطعام – كل أنواع الطعام – لعشرة أيام على الأقل ويكون غذاؤك فقط عصير الليمون المحلى بعسل نبتة الميبل maple مضافاً إليه مسحوق الفلفل الحار (الشطة)، ويزعم مروجو تلك الحمية أنها تساعد على خفض الوزن والتوقف عن التدخين (مع أن التوقف عن التدخين لا يحتاج إلى حمية أو وصفة بل هناك طريقة واحدة ناجعة لترك التدخين نهائياً وهي ألا تشتري التبغ أو تستجديه وألا تضع سيجارة في فمك.. انتهى البيان) ويقولون أن العيش لعدة أيام على ذلك العصير العجيب يمنح الإنسان صفاء الذهن والنوم المريح ويخفض ضغط الدم والكولسترول ويقضي على الحساسية بمختلف أشكالها.
يفوت على هؤلاء أن تلك الحمية تحرم الجسم من فيتامينات أساسية ومن البروتين وبعض المعادن الضرورية (الكالسيوم مثلا).. والمشكلة هي انك مطالب بشرب 8-10 أكواب من ذلك العصير يومياً ومثلها من المياه المعدنية ويكون ختام الحمية اليومية شايا مليناً أو مُسهّلاً يعقبه كوب من الماء المالح.. ويؤدي ذلك إلى إفراغ الأمعاء من كل محتوياتها (يعني المطلوب أن تعاني من حالة إسهال دائم وهو ما يشبه عملية غسيل القولون colon irrigation).. مما يؤدي إلى إفراغ الأمعاء من الباكتريا السيئة والحميدة. كاد أبي يهلكنا ونحن صغار لأنه يعتمد على استخدام الملينات والمسهلات الكيميائية مما يؤدي إلى عافية الجهاز الهضمي.. لترى العجب زر موقع The Master Cleanse.com (الحِمام بكسر الحاء هو الموت).
jafabbas19@gmail.com
