رغم أن جامعة إفريقيا العالمية، هي بوابة السودان نحو القارة السمراء، إلا أنها تحتفل بيوبيلها الفضي هذه الأيام، في صمت شديد. خمسون عامًا طوتها الجامعة التي أنشئت في العام 1966 بالخرطوم، وطوت معها حقب الجهل والظلام، حيث كانت تستهدف محو آثار الاستعمار الأوروبي، واستنهاض الروح الإفريقية، ونشر الثقافة الإسلامية، لكنها بعد مرور كل تلك السنوات، أصبح ينظر لها، خاصة من قبل الغرب، بقلق وريبة.
لم تستنكف جامعة إفريقيا التعبير عن رسالتها التي تسعى لتحقيقها، وهي الدعوة لنشر الثقافة الإسلامية عبر العمل الأكاديمي، وكانت نواتها الأولى المركز الإسلامي الأفريقي، وتحولت بعد ذلك إلى جامعة شاملة، تستقبل منتسبيها من حوالي 42 دولة أفريقية و25 دولة فيها أقليات مسلمة، مثل الصين والفلبين وتايلاند والبوسنة والهرسك، وحتى أوروبا وأمريكا، وتستقبل آلاف الطلاب من شتى أنحاء العالم.
في سبيل ذلك، تتبع جامعة إفريقيا مناهج تعليمية وبحثية صارمة، يشرف عليها أكاديميون ومفكرون يؤمنون برسالتها، والتي تدعو علنًا إلى إشاعة التوسط والاعتدال، لكن ذلك لم ينجيها من الاتهام بتغذية التطرف والإرهاب، رغم أنه اتهام لا يستند على دليل راسخ، حيث أن الكثير من الشباب الذين التحقوا بـ”داعش” لم يكونوا من طلاب جامعة إفريقيا، عدا طالب نيجيري يدعى “أمينو صادق أوقوشي”، تم إيقافه عبر الإنتربول بتهمة التورط في تفجيرات العاصمة النيجيرية أبوجا في نيسان/أبريل 2014.
يقول مدير جامعة إفريقيا السابق الدكتور حسن مكي لـ”الترا صوت” إن “الجامعة تتميز عن بقية الجامعات السودانية بأنها ذات طبيعة خاصة، حيث أنها لم تُنشأ من أجل الطلاب السودانيين فقط، وإنما من أجل الطلاب الأفارقة بصفة عامة”. ويضيف مكي: “هي للتكفير عن الخطيئة التي ارتكبها الأوروبيون بممارسة تجارة الرقيق. اليوم جامعة إفريقيا تستوعب الطلاب وتعيدهم إلى بلدهم متحررين من الجهل، قادة ومهندسين وأطباء”. يصف مكي جامعة أفريقيا بأنها “مشروع إنساني وأخلاقي وثقافي” نافيًا أن “تكون مأوى للإرهاب”، ويضيف: “بالعكس هي تنشئ طلابًا معتدلين ومتفهمين لمتطلبات الحياة في بلدانهم”.
يحصي حسن مكي قادة ومشاهير تخرجوا من جامعة إفريقيا العالمية، من بينهم لاميدو سنوسي، أمير كانو، وهو أحد أكثر المناصب تأثيرًا في شمال نيجيريا ذي الأغلبية المسلمة، إلى جانب وزير الداخلية الصومالي عبد الرحمن حسين أدوا، والدكتور أمبايو رئيس دراسات الشرق الأدنى في جامعة ديوك الأمريكية، ووزير التعليم في غامبيا، وعشرات المسؤولين في إفريقيا.
تعتمد الجامعة العربية لغة للتدريس، مع إجازة استخدام الرموز الأجنبية للتعبير عن بعض المصطلحات العلمية، فضلاً عن اعتمادها الإنجليزية لغة مساعدة للتدريس بكلية الطب، بجانب ذلك تدرس جميع التخصصات النظرية والتطبيقية، ويعاني عديد طلابها الوافدين من استخدام العربية في التدريس، حيث أن أغلبهم يتحدث الإنجليزية والفرنسية، ولذلك يقضي عامًا وربما أكثر في تعلم العربية قبل الانتقال إلى التخصص.
أما مواردها فهي تعتمد بشكل أساسي على الموارد الذاتية، ومن ثم المنح ومساهمات الدول العربية، ورغم أن الحكومة نفت تمامًا احتضان الجامعة للمتطرفين، إلا أن فرنسا وأمريكا تنظران إليها بعين القلق، وقد بعثت صحيفة لوموند الفرنسية، في العام المنصرم الصحفي جون تيلون، للتقصي عن طبيعة الجامعة والمناهج، وخرجت بعد ذلك بتقرير حمل عنوان “الخرطوم تؤسلم إفريقيا”.
يقول الكاتب والباحث الأكاديمي خباب النعمان إن “جامعة إفريقيا إحدى أهم المشاريع التي تتجلى فيها روح اﻷممية الإسلامية، بجانب أنها تمثل سلوكًا تعويضيًا عن الإهمال الذي قوبلت به أفريقيا”.
المركز الإسلامي الذي كان نواة للجامعة لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما تطور إلى جامعة إفريقيا العالمية التي استقطبت أموالًا أجنبية كثيرة، وطلابًا من شتى الأمصار، بلغت ثمانين دولة في أفريقيا وآسيا، واستطاعت أن تطور أنظمة تعليمية، ومن أهم المشاريع التي نفذتها الجامعة، المطبعة ودار مصحف أفريقيا، وقد حصل العديد من خريجيها على مواقع التأثير والقرار في بلدانهم. ويأمل الكثيرون أن تسهم جامعة أفريقيا العالمية بشكل أكبر في نشر الوعي والتعاليم الإسلامية لكن التخوف من التعصب ونشرها الإرهاب قد يضعها على القائمة السوداء في الغرب خاصة.
عزمي عبد الرازق
موقع الصوت