في استقالة بليغة متضمنة عبارات رصينة ومفردات لغوية أثارت إعجاب عشرات الآلاف ممن قرأوها على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، تقدم قاض مصري باستقالته من وزارة العدل احتجاجا على اضطهاد وزيرها له والتنكيل به، وبسبب قول الوزير له “يلا”.
وكان المستشار محمد السحيمي، القاضي بمحكمة “قنا” الابتدائية، قد قدم استقالته من القضاء إلى مجلس القضاء الأعلى، مساء أمس السبت، اعتراضا على ممارسات وزير العدل ضده والتنكيل به.
وأتت استقالة السحيمي بعد 14 شهرا من مشادة شهيرة حدثت بينه وبين الوزير أحمد الزند، وقت أن كان الأخير رئيسا لنادي القضاة، خلال اجتماع الجمعية العمومية في 19 ديسمبر 2014.
وطلب حينها السحيمي الاطلاع على ميزانية النادي، فقال له الزند- وفقا لكلام السحيمي “- ميزانية ايه اللى عايز تشوفها يلا”، وبعد تولي الزند الوزارة قرر نقله من محكمة شمال القاهرة القريبة من محل سكنه إلى محكمة قنا جنوب مصر، وتحميله بدعاوى تصل إلى أكثر من 300 قضية يوميا، وهو ما لم يتحمله فقرر الاستقالة.
السحيمي من مواليد محافظة طنطا، والده المستشار عبدالمنعم السحيمي، الذي كان صديقا للمستشار أحمد الزند، وتولى رئاسة نادي قضاة طنطا في أثناء قيادة “الزند” نادي القضاة، كما عمل رئيسا بمحكمة استئناف القاهرة.
نص الاستقالة التي أثارت إعجاب الآلاف
وجاء في نص الاستقالة:
“سيادة القاضي الجليل، رئيس مجلس القضاء الأعلى، وضعتم على صدورنا وشاح شرف العدل، وقد أقسمنا إقامته بين الناس أساسا للمُلْك، وتلك مسؤوليةٌ تحملتها وأنا مدفوعٌ بعزمٍ أستمده من انتماءٍ إليكم، وهو الذي يبعث على الفخر، وانتماءٍ آخر أحمل له في نفسي تقديرًا عميقًا، إذ فارقْتُه ليَلْقَىٰ ربه، وهو والدي، الذي أفنى من عمره خمسين عامًا بينكم، كان فيها ربًّا لبيتٍ من بيوت القضاة، يقوم عليهم خادمًا وسيدًا”.
وأضاف: “لأن العدل أمانةُ السماء فإن أهل الأرض جميعهم مُؤْتمنون عليه أن يؤدوه فيما بينهم، لا تثريب على من لم يقدر، فَقِلّة الحيلة لا تنال من شرف الرجال، وإنما يهجر الأنبياءُ أرضَهم إذا اشتدت يد الشرك تنال عُصْبَتُه منهم، وإني ها هنا لا أشكو ضعف قوتي ولا هواني على وزير العدل، فإن قَدِرَ هو على ظُلْمي وما خشيَ أن تحيط به ظلمات يوم القيامة، فإنَّ لمثلي رباً يردُّه، فإن أمهله في دنياهُ هذه، فإنه لن يهمله في يومِ موقفٍ عظيم”.
وتابع: “كان الوزير في يومٍ صوتَ القضاة، رئيسًا لناديهم، وقد عارضتُه في مَلِئه حينئذ أشد معارضة، فأسرَّها في نفسه، حتى إذا اعتلىٰ وزارتَه عاود الخصومة من ديوانها، فأضحى صوتُنا سوطًا علينا، فنبَّهني تنبيهًا يُوقفني عن ترقية، ثم أقصاني إلى الجنوب، حيث محكمة قنا ليترصَّدني بأعباء العمل، فوزَّعه بين رفاقي من القضاة بغير عدل، حتى أصبح المنظور لديَّ من دعاوى الجنح يفوق في اليوم ألفًا ورَبَتِ الدعاوى المدنية فجاوزتِ الثلاث مائة وخمسين، فهل أكذب بعد كل هذا أنهم يتعجلون خلاصًا مني، بل أصدِّقُ أن الوزيرَ منتقمٌ غيرُ ذي عفوٍ، وإني لَأُعاجل عُنُقي بذبحٍ قبل أن ينالها بطعنة موتور”.
وأردف قائلًا: “إن القاضي الجزئي بمحكمة قنا لا قِبَل له بوزير العدل، لا يملك سوى نفسه، ويملك الوزيرُ نفوسَ رجال، غير أن مِثْلي إذا اسْتُكْرِهَ على الأمر ما وسعه البقاء عليه”.
وأضاف: “إذا كان الوزير لا يحفظ عهد أبي، وقد رافقه لسنواتٍ يعبران عن ضمير القضاء في أحلك ما مرَّتْ به بلادنا، فهانت عندَه عظامُه إذ بَلَتْ – وإني من تلك العظامِ دمًا من دمٍ – فإنكم حفَّاظون للعهود أوفياءَ لها، لا تُضَيِّعون أصلابَ رجالكم، فما لمتجبرٍ من سلطانٍ عندكم إذا أَغَثْتُم الملهوفَ فصارَ ذا بأس، فإن بلغكم كتابي هذا عند مجلسكم فرُدُّوهُ، وما تردُّون إلا نفسي إليَّ، أما إذا بلغكم وقد رضيتم فتلك استقالتي، أرفعها إليكم وما يرفع النفوس سوى عزٍّ بأهله، فاقبلوها وإني لكم من الشاكرين”.
واختتمت الاستقالة بالآية القرآنية: “فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد”.
اخبار العربية