إذا كان البرلمان حقاً يسعى لإصلاح شأن الاقتصاد.. عليه أن يذهب لطريقين لا ثالث لهما.. الأول صدور قرار تاريخي صعب ومُر على الشعب في الفترة الأولى ولكنه علاج شافي لأمراض الاقتصاد الوطني بإعلان تحرير الاقتصاد ورفع الدعم الحكومي كلياً عن المحروقات جميعاً والقمح والأدوية.. ومثل هذا القرار الصعب يمثل علاجاً شافياً لأمراض الاقتصاد السوداني ويخلع ثوب الدعم الذي هو في حقيقته ذريعة حكومية فقط (لابتزاز) المواطنين والمن عليهم بشيء لا يستحق.. أنظر الآن فقط لسعر برميل البترول وقد هبط إلى (25) دولاراً.. أي أن سعر جالون الجازولين أقل من (10) جنيهات.. وإذا وضعت عليه الحكومة رسوماً وجمارك لا يتعدى الـ (15) جنيهاً.. فكيف تدعي الحكومة أنها تدعم المحروقات.
إذا رفعت الحكومة الدعم عن الجازولين والبنزين وفتحت أبواب الاستيراد للشركات الخاصة.. فإن إنتاج مصفاة الجيلي لن يجد من يشتريه.. نعم ربما وصل سعر أنبوبة الغاز لمائة جنيه بدلاً عن سعرها الحالي (75) جنيهاً.. لكن الحكومة لأنها تدير الشأن الاقتصادي بعقلية مهووسة بوجود مؤامرة لإزاحتها من مقاعدها.. لم تفكر في توفير كميات كبيرة من الغاز في السوق في يوم إعلان الزيادة الجديدة.. ارتفع السعر فجأة واختفت معه أنابيب الغاز.
الخيار الثاني يملك المجلس الوطني حق مناشدة الحكومة وليس إرغامها على المضي فيه لتحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي واستدامة الحريات السياسية وتعافي الوطن من الآلام والجروح القاتلة.. أن تحث الحكومة على المضي بجدية نحو تحقيق السلام ووقف الحروبات التي اشتعلت في جسد الوطن وأورثته المحن وأقعدته عن السير معافى – في ركب الأمم والشعوب.. وجعلت الشعب السوداني مثل الصوماليين والأثيوبيين في سنوات “منقستو هيلا ماريام”.. يطوفون العالم بحثاً عن لقمة العيش وحياة كريمة بعد أن بات الوطن قطعة من لظى جهنم.. والمجلس الوطني الذي ظل نوابه (يعرضون) خارج الزفة.. ويتخذون من الصحف منابر بديلة للقاعة البيضاوية التي أصبحت منطقة تصفيق حار للسادة الوزراء.. يمكنهم طرح رؤية عن السلام تنقذ المفاوضات المتعثرة على جبهتي دارفور والمنطقتين.. وتحقيق السلام يعيد السودان للساحة الدولية ويفتح باباً واسعاً لتسوية مشكلات الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة عليه.. ويحسن من العلاقات التجارية مع أوروبا.. ويجذب الاستثمار العربي والأجنبي.. وتستطيع الدولة الوفاء بمشروعات التنمية التي (توقفت) وتعطلت.. ووقف الحرب من شأنه الإسهام في (تدوير) ماكينات المصانع التي توقفت.. ولكن هل يملك البرلمان إدارة تجعله يقبل على (أمهات) الأمور بدلاً عن صغائرها.. وقد اضطر الرئيس أمس الأول لإغلاق باب الجدل حول التراجع عن أسعار الغاز التي أعلنت الأسبوع الماضي.. ورسالة “البشير” التي بثتها وسائط الإعلام أمس (السبت).. موجهة في الأساس إلى نواب البرلمان الذين (طفقوا) يتحدثون عن الغاز ويطالبون بمراجعات للسياسات التي أعلنت في محاولة منهم لتقديم أنفسهم في ثياب الإصلاحيين والحريصين على الشعب والرؤوفين الرحيمين به.. وما هم بذلك، وفي سنوات مضت هاجم نواب البرلمان أحد الوزراء النافذين جداً.. وتقدم أحدهم بمسألة مستعجلة طالباً من الوزير الرد عليه.. ولكن الوزير رفض الحضور للبرلمان وبعث برسالة مبطنة لرئيس المجلس (مذكراً) إياه بمنظر البرلمان بعد يوم الرابع من رمضان وكيف وضعت دبابة أمام المبنى ذي اللون الرمادي الذي غادره “الترابي” ورهطه من النواب للشارع والسجن.. لم يجد رئيس البرلمان (درباً) غير دعوة الهيئة القيادية للبرلمان وتشكيل وفد لزيارة الوزير في (وزارته) وتلقيهم تنويراً منه حول الموضوع الذي أثاره أحد النواب.. وقد شكر البرلمان الوزير لحسن استقباله للمجلس الوطني في مكتبه.
الآن يمكن أن يقدم البرلمان اعتذاراً لوزير المالية ليصفح عن النواب بسبب تصريحاتهم (المشاترة) عن الغاز وما أدراك ما المحروقات.