الخدمة الوطنية نموذجاً

انتبه سكان حي مدينة القادسية بشرق النيل إلى أن حيهم (الهادئ الجميل) قد ازدحم بمجموعة مؤسسات خدمية حكومية، حولته من حالة السكن والهدوء إلى حالات ازدحام وضوضاء.. مؤسسات أتت بالركشات بمكبرات صوتها وضجيجها وهجيجها.. ويفترض أن مثل هذه الأحياء هي للسكن والهدوء.. إذ لا يعقل أن يأتي المواطن من ضجيج العمل بالمدينة إلى ضجيج الأحياء.. بحيث أن الدولة السودانية قد أرست عبر تاريخها المهني أدباً ومنهجاً حضارياً في هذا السياق، وهي تجعل كل الدوائر الرسمية داخل المدن وبعيداً عن مساكن الجماهير ..
* وبرغم ذلك لا أستطيع القطع تماماً بأن وجود المؤسسات الحكومية داخل الأحياء محض شر وإزعاج.. فعلى الأقل هناك بعض الإشراقات.. فمن بين هذه المؤسسات التي زرعت وسط حي القادسية مؤسسة الخدمة الوطنية بشرق النيل.. لكنها زراعة (غير) كما يقول إخواننا الخليجيون.. وذلك لعدة معطيات ومخرجات ..
* فبادئ ذي بدء قد قامت هذه المنسقية بتشجير واجهتها التي تطل على الحي.. هذا من جهة.. فضلا عن أنها قد تفاعلت مع بعض أزمات الحي واجتهدت أن تشارك ببعض الحلول.. فلما كانت المنازل المقابلة للمنسقية تعاني أزمة شح مياه لم يملك شباب المنسقية إلا أن يخرجوا خرطوم مياه بسعة واحدة بوصة إلى الأهالي.. فضلا عن مبرد المياه الذي فتح للخارج لخدمة المارة والمواطنين .
* غير أني لابد هنا أن أحتفل بخدمة المصلَّى الذي شيدته منسقية شرق النيل على مقربة من منازلنا.. سيما نحن نقع في منطقة ظل بين مسجدين لا يستطيع معظم المصلين أن يدركوا الصلاة فيهما.. فالآن أصبح بفضل الله ثم هذا المصلَّى إقامة فريضة الجماعة في هذا الجزء من الحي.. وبطبيعة الحال أن هذا المصلَّى لم يؤسس لخدمة أسرة المنسقية فحسب.. بل أسس لخدمة المجتمع الذي حولها لأن ساعات العمل لا تتعدى فريضة الظهر، وفي بعض الأحيان العصر.. فعلى الأقل إن إدارة المنسقية قد سلمتنا المصلى كسكان حي وفتحت الأبواب في وجوهنا.. بحيث أصبحت سدانة المصلى ومفاتيحه بيدنا، على أننا المستهدفون بهذه الخدمة دون غيرنا .
* وتكمن عبقرية هذا الضرب في أنه حول نظرة الأهالي إلى نظرة إيجابية تجاه هذه المؤسسات التي أصبح ينظر إليها كجسم طبيعي وطليعي.. وليس جسما غريباً زرع على مضض وسط الحي.. على أن منظومة الخدمة الوطنية معنية أكثر من غيرها في ترسيخ هذه المعاني والمباني بين الجماهير.. وذلك لكونها عرفت حول العالم بأنها قوة احتياطية تضطلع بمهام مدنية عظيمة سيما في أوقات الأزمات.. ذلك مما يجعلها مؤسسة (صديقة للجماهير).. فلو أن هناك مؤسسة واحدة يحق لها أن تنبت وتترعرع في أحشاء الأحياء وبين الأهالي كولود (مؤسسي خدمي شرعي)، لكانت بامتياز هي مؤسسة الخدمة الوطنية ..
* ولعل مثل هذه النماذج التفاعلية التي تضطلع بها مؤسسة الخدمية الوطنية بين الجماهير، هي التي عبرت بنا وبها من مفهوم ضفة (الخدمة الإلزامية).. بمشاهد (دفاراتها ومساككاتها)!! إلى شواطئ (الخدمة الوطنية) التي يأتيها المجندون طوعا و.. و..
* أتسوق في هذه المشاهد بين يدي مواسم (المؤتمر العام الثالث) لأطروحة الخدمة الوطنية، الذي يبحث عن كيفية المزيد من التطوير والتسدبد والمقاربة، لمؤسسة أصبحت راسخة في وجدان الجماهير، وهي تفتأ تنشط ذاكرة ناشئة الأجيال.. بأن ثمة دَيْناً باهظاً للأوطان في أعناقنا واجب السداد .

Exit mobile version