في نهارية شتوية رائعة أدفأتها زفرات شعر عذب ورائع ورصين استضاف معهد البروفيسور “عبد الله الطيب” للغة العربية بجامعة الخرطوم، وفي جلسة مؤانسة أدبية (أولاد غانم)، المنحدرين من أسرة ذات علم عميق وأدب جم، والدهم الأستاذ اليماني البروفيسور “محمد عبده غانم” المعروف بالسودان.. كان من العلماء الكبار ومن أصدقاء العلامة “عبد الله الطيب”، جاء إلى جامعة الخرطوم فنشر علماً ومعرفة في حقبة السبعينيات، تشربوا منه الأدب والشعر والثقافة بجانب نجاحهم في تخصصات أخرى مختلفة. وكان قاسم الأخوة المشترك وقدرهم المحتوم هو الأدب والإنسانية والعطاء اللا محدود، فضلاً عن تميزهم وتفوقهم في مجالاتهم الأخرى.
وقال مقدم الندوة مدير المعهد الدكتور “الصديق عمر الصديق” إن الأستاذ “غانم” أديب من أكبر أدباء العربية وعالم من أكبر علمائها من طراز علمائنا القدماء الذين كانوا يعرفون الأدب العربي واللغة العربية واللغات الأخرى معرفة وثيقة، مشيراً إلى أن البروفيسور “غانم” كان قد ملأ الساحة في جامعة الخرطوم علماً ومعرفة، وأضاف: (لا شك أن الأمر عندما يكون بهذه القوة وهذا المدد فإنه سيسري في الأبناء وقد سرى وانتشر وعمّ). وأكد دكتور “الصديق علي” أن البروفيسور “نزار غانم” السوداني– اليمني، الذي عاش طويلاً بالسودان له أثر عظيم لموسوعيته التي عرف بها في بحوثه الذائبة في الغناء والموسيقى والأدب والاجتماع والتاريخ وإلى ما ذلك.
وأولاد “غانم” الذين أشاعوا علماً وشعراً وأدباً كانوا حضوراً في المؤانسة هم: البروفيسور “قيس” الطبيب المتخصص في المخ والأعصاب، هاجر إلى كندا وأعُطي فيها جائزة أفضل مهاجر إليها. ولم يكتف بعلمه الذي أتقنه وحذقه وعرفه وإنما امتد عطاؤه إلى الشعر موهبة فطرية بجانب ترجمة الفرائض العالمية من الأدب، البروفيسور “شهاب” عالم الهندسة الكهربائية الكبير التي درسها في بريطانيا، وساهم في نهضة الإمارات العربية المتحدة في صناعاتها في منطقة (جبل علي) وجر عليه العرق ما جر على أخوته لأنه من بعد عرف كأكبر المترجمين للشعر العربي وفرائض الشعر الإنجليزي التي ينقلها للشعر العربي، البروفيسور “نزار” وهو سوداني كما يعلم الكثيرون وعرف بحبه اللا محدود للسودان وإقامته فيه وكان ملحقاً ثقافياً لليمن بالسودان، ويعد شيخاً للطريقة (السومانية) التي ابتكرها بنفسه، ويعدّ أيضاً سفارة سودانية كبيرة جداً تسفر ما بين الشطين كما يسميها هو بين ضفتي الجمهورية السومانية وهو اختصار للسودان اليمني، وعندما جاء “نزار” للسودان في السبعينيات درس في الخرطوم والتحق بكلية الطب جامعة الخرطوم وتخرج طبيباً وهو الآن أستاذ في الطب، كان قد درس في جامعة صنعاء بكلية الطب والآن يدرّس بجامعة الأحفاد للبنات بكلية الطب.
بدأت الندوة بقراءات شعرية سودانية رائعة ألقاها بحماس الشعراء الشباب: “أبو بكر الجنيد، أسامة تاج السر، متوكل زروق وعبد الرحيم حسن حمزة” واختتمتها بألق الشاعرة “روضة الحاج”. فيما آنس الأخوة الضيوف الحضور بأشعار جميلة متنوعة أثارت الدهشة ونالت الرضا والإعجاب، فقرأ البروفيسور الأكبر “قيس” بعضاً من قصائده العذبة في الغزل منها (قيس وليلى) و(لا تفكني)، وأوضح أن الشعر بالنسبة إليه هواية.
وقدم البروفيسور “شهاب” قصيدة حزينة وقصائد عن زوجته التي فقدها إذ انتقلت إلى جوار ربها قبيل أسابيع قليلة، وقال في أسى: (لقد خسرت زوجتي الحبيبة شريكة عمري قرابة العشرين عاماً). وأوضح أنه كتب كل أشعاره في الحب والغزل عنها وهي نحو خمسين قصيدة وجمعها في ديوان سماه (معاني الهوى)، كما أعرب عن شكره وامتنانه للدكتور “الصديق عمر الصديق”، وأبدى إشادة كبيرة بالشعراء الشباب الذين ألقوا أشعارهم على أمل أن يترجم بعضها إلى الإنجليزية، مبيناً أن آل “غانم” عرفوا بالشعر، وذكر أن والدهم- رحمه الله- قد كتب العديد من القصائد عن السودان وكان رئيساً لقسم اللغة العربية بجامعة الخرطوم، وعندما جاء في العام 1974م كتب أولاً وقبل دخوله الجامعة قصيدته المعروفة (على ملتقى النيليين هذا قد أزرق وهذا قد ابيضت صحيفته واتقى)، وصادف ذلك أيضاً احتفال بعيد الاستقلال وكتب أيضاً قصيدة منها:
نزلت بأرضكم في يوم عيد
فكنت بكثرة الترحاب أنسى حنيني
وبيّن أن مجيئه كان صدفة لأخذ عدد من المدرسيين السودانيين للعمل في عدن. وطرق البروفيسور “نزار” قصائد لشقيقه الآخر “عاصم” وبعض قصائده الرائعة.
وكان مسك ختام المؤانسة حديث مدير الجلسة الدكتور “الصديق” عندما قال: (إننا علمنا أن “امرؤ القيس” يمني وأن “عمرو بن معد” يمني، وأن “وضاح اليمن” يمني وأن الحكمة يمنية)، وأضاف: (لما سئل الشاعر الكبير شاعر اليمن “المرتوني” عن أحوال اليمن قال:
ماذا أحدث يا صنعاء عن أمتي
مليحة عاشقاها السل والجرم
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب
لكنها رغم بخل العيش ما برحت
حبلى وفي بطنها قحطانها وكلم
المجهر السياسي