*صباح يوم في مثل برودة أيامنا هذه حل الغريب بالبلدة..
*شاهده البعض يحمل (بقجة) تتدلى من عصاة على كتفه يلج البلدة فجراً..
*وقال حاج صابر أنه كان أول من رآه في العتمة وظنه شيطاناً..
*كان يسلك (درب الطاحونة) من جهة قبلي متجهاً نحو بحري..
*وأقسم شيخ علي المؤذن أنه شعر برجفة في أوصاله حين مر الغريب أسفل المئذنة وهو أعلاها..
*أما شريفة فقالت أنها سمعت نباح كلاب أمام منزلها أوان صلاة الصبح..
*وعندما خرجت تستطلع الأمر رأت الكلاب تتبع رجلاً يرتدي أسمالاً بالية..
*ثم ترتد عنه فزعة- تعوي- كلما اقتربت منه كثيراً..
*وعند شروق الشمس شوهد الغريب – بوضوح- داخل السوق..
*كان اليوم يصادف السوق (الكبير) الذي يشبه ساحة المولد من شدة الزحام..
*وفي الركن الشمالي الشرقي منه جلس الغريب ومن حوله (حاجياته)..
*لم يجب عن أي سؤال طُرح عليه من قبيل(من الأخ ؟ ومن أين أتى ؟ ولأي سبب؟)..
*كان يكتفي بنظرات (جوفاء) يصوبها نحو أعين سائليه وعلى فمه ابتسامة (غامضة)..
*وحين انتصف النهار ما عاد أحد- من الرجال- يوليه اهتماماً..
*أما النسوة فقد كن يرين منه ما يجعلهن يغطين وجوههن خجلاً ثم يشحن بها بعيداً..
*لم تجرؤ واحدة منهن على الكلام سوى صليحة (الدلالية) ..
*وهي أيضاً كانت أول من جهر بالتذمر من الذي (أصاب) زوجها..
*فرجال البلدة أجمعين (أصابهم) شيء لم يجدوا له تفسيراً مذ حل الغريب ببلدتهم..
*ودلالة (الشيء) هذا أنه ما عاد يُشم- ليلاً- الذي كان (يؤرق) العزاب..
*ثم لم تكن هي اللعنة الوحيدة التي أصابت البلدة وإنما تبعتها أخريات..
*فقد جف الزرع والضرع وساءت أحوال الناس المعيشية كافة التي عمادها (الغيط)..
*وطفق إمام المساجد الكبير ينحو باللائمة على مظاهر (الفسوق) التي عمت البلدة..
*وكذلك فعل الشيء ذاته أئمة المساجد الصغيرة الأخرى..
*وطالبوا الناس – إثباتاً لصدق حديثهم- الكف عن (الظواهر) هذه اسبوعاً واحداً..
*والتزم الناس – من شدة الهلع – بالذي قاله الأئمة..
*فما عاد (الحوش المهجور) يشهد تسللاً إليه تحت جنح الظلام..
*وامتنع رجال (الكبير) عن ممارسة (البلطجة) على المزارعين..
*وأغلقت (كلثوم) باب دارها في وجوه طالبي (البهجة)..
*وفوجئ الناس باختفاء الغريب صباح اليوم الثامن..
*ولم يجدوا من آثاره سوى خرقة عليها ما يشبه (النخامة الجافة)..
*وحُرقت ليعم أرجاء السوق – ضحىً- دخان أسود..
*ويعم أرجاء البيوت مساءً (دخان أبيض!!).
الصيحة