الرقم المطلوب لا يمكن الوصول إليه.. و”الفايبر” لا يعمل.. ورسائل “الوتساب” لم تصل، إذاً عليك الاتصال في ساعات المساء الأخيرة بالمهرب أبوحسن، لكي تعرف مصير الرحلة مجهولة الرقم هل وصلت إلى اليونان أم لا؟!
هذا الخبر اليقين لن يكون إلا لدى أبوحسن؛ لأنه إن قام بتشغيل رقمه مجدداً فذلك يعني أن الرحلة بأمان، وهذا ما حدث مع أصدقاء السوري رامي قضباشي الذين عاشوا يوماً من الرعب حتى اطمأنوا على وصوله آمناً إلى اليونان رغم الأمواج العالية والبحر الهائج.
لماذا لا يخافون الشتاء
قضباشي مثله مثل كثيرين من السوريين الفارين من الحرب، وصلوا إلى تركيا ولم يقف الشتاء وبرودته وجنون البحر أمامهم للسفر، بل حتى أنهم يعتبرون أن الشتاء يساعدهم في الحصول على مميزات كثيرة على حساب حياتهم، فسعر رحلة الموت إلى اليونان بعد التخفيض وصل إلى 700 دولار، فيما كانت في فصل الصيف تتجاوز 1000 دولار.
“هافينغتون بوست عربي” تواصلت مع رامي عبر فيسبوك للحديث عن سبب مغامرته في الشتاء البارد وخوض هذه التجربة يقول: “لم أختر الوقت لكن الظروف الدولية والاتفاقيات بين تركيا والاتحاد الأوروبي الأخيرة أجبرتني على تقديم موعد الرحلة المنشودة نحو أوروبا بعد أن يصبح دخول تركيا في ذاته حلماً”.
قضباشي البالغ من العمر ٢٩ عاماً تخرج في جامعة حلب قسم الكيمياء، واختار أوروبا، كما يوضح: “ليس فقط من أجل الأمان، إنما من أجل تحقيق طموح كان يرسمه في سوريا”.
وبعد حديث مع رامي لم يتجاوز الساعة غادر على عجل؛ لأن موعد الرحلة – أو كما يسمونها – موعد اللقاء عند النقطة اقترب.
مشهد من قلب عالم التهريب
أن تنسّق مع المهرب ليس بالأمر السهل، فله شروطه كما يوضح محمد (30 عاماً)، وهو شاب سوري بصدد التحضير لرحلة الهروب هذه، التي تبدأ من ساحة أكسراي في إسطنبول المعروفة بتجمع المهربين هناك.
“الشرط الأول الذي فرضه المهرب عليّ هو أن أغلق هاتفي”، يقول محمد، ويضيف: “ولكن الغريب في الأمر أنني التقيته في أحد المولات المشهورة ورافقته في جولته الشرائية، حتى أنه اشترى بيجامة رياضية وصل ثمنها إلى أكثر من 100 دولار”.
المهرب معروف بأبي ناصر، وهو أكثرهم ضماناً كما وصفه محمد، فأصدقاؤه سافروا عن طريقه من إسطنبول إلى اليونان.
وتابع محمد: “بعد الجولة الشرائية اصطحبني أبوناصر إلى محل تركي مشهور، مع أنني كنت أخشى أن يصحبني إلى مكان ناءٍ كي لا يسمعنا أحد”.
كان أسلوب المهرب أبوناصر أقرب إلى “الأسلوب الاستخباراتي”، يقول محمد، ثم يؤكد: “أخبرني جملة مهمة: كن من تكون الأهم ألا تكون صحفياً؛ لأنهم هم من يشوهون سمعتنا. وذكر أمثلة عن صحفيين وإعلاميين عملوا على إجراء مقابلة سرية بكاميرات مخفية يعملون لصالح قنوات عربية مشهورة”.
“كيف السوق حالياً؟” سأل محمد المهرب ليجيبه: “إنه الشتاء الأكثر نشاطاً، حيث الخوف من البدء في مكافحة التهريب من قبل الأتراك تجاوز الخوف من الشتاء وصعوبة السفر به”.
خيارات مختلفة عرضها المهرب لمحمد: “عن طريق اليخت من منطقة تشناكليه، عن طريق البلم (القارب المطاطي) من إزمير متضمنة المواصلات البرية من إسطنبول إلى إزمير، عن طريق البلم من أنطاليا، عن طريق البر بسيارة تصل إلى أثينا”.
خوفاً من البلدية وليس من الأمن التركي
أكسراي التي كانت تعج بالسوريين والجنسيات المختلفة التي تنوي التهريب اختفت في الشتاء، ويقول عامل في القهوة المجاورة للحديقة في المنطقة لـ”هافينغتون بوست عربي” إنه “منذ بداية موجة البرد والثلوج لم أعد أشاهد السوريين يفترشون الساحة الخضراء للحديقة، ولا أعرف أين ذهبوا”.
سؤال: أين ذهبوا؟ وجهته “هافينغتون بوست عربي” لمهاجر سوري يبلغ من العمر ٣٥ عاماً اسمه أبوسامر، الذي أجاب بقوله: “طبعاً لن تجدهم، ليس خوفاً من الشرطة إنما خوفاً من البلدية التي أعلنت كما أخبرني صديق لي أنها تقوم بحملة لجمع المواطنين الذين يجلسون وينامون في الشارع لحمايتهم من قساوة برد الشتاء ووضعهم في مكان دافئ”.
وفي السياق ذاته كانت بلدية إسطنبول الكبرى أعلنت عن حملة لجمع كل مَنْ لا يجد مكاناً دافئاً في صالة رياضية بمنطقة سارير في القسم الأوروبي من إسطنبول، ما سيعيق حركة المهاجرين في عملية التواصل مع المُهرّبين الذين يتخذون من منطقة الأكسراي معقلاً لهم.
مشاهد من زاوية ثانية في الأكسراي
في الزاوية الثانية من منطقة الأكسراي عند مخرج بوابة المترو تجد ساحة تميزها 3 مشاهد:
الأول: الحقيبة السوداء على ظهور جميع الشباب المنتظرين عند نافورة المياه في وسط الساحة.
الثاني: الهاتف الجوال بين يدي معظم الشباب، منهم من يلعب ومنهم من يراسل على “الواتس”، ومنهم من ينتظر رنة المُهرب أبوحسن.
الثالث: تُجار اللحظة كما يُسمون في إسطنبول، مظلات المطر جاهزة على يسار بائعي البسطة، وعلى يمينهم زجاجات الماء، وأمامهم براد الشاي، فهم جاهزون لبيع كل شيء للمهاجرين.
هافينغتون بوست