تنويه: كل الأحداث المذكورة في هذا المقال حقيقية
1- “كنت في الأهرامات ورغبت أن أركب حصانًا، لم يكن معي أحد، وكان المنظر جميلًا، وعرض عليّ أحد الأشخاص ركوب حصان بسعر زهيد جدًا، قرابة 20 جنيه، وبالطبع كنت أعلم أنه ليس سعرًا حقيقيًا، ولكني وافقت على أمل أن يكون إجمالي الدفع 50 أو 100 جنيه على الأكثر، وأخذني الرجل على ظهر الحصان وبدأنا نمشي نحو الصحراء، وعرض عليّ أن يجعل الحصان يركض.
ولأني غير محترفة، فقد عرض عليّ أن يركب خلفي لكي يتحكم في الحصان، وفعل، وعندما بدأ الحصان بالركض، وجدت يده تتحرك لتتحرش بي، حاولت الصراخ ولكن من يسمعني في هذا الخلاء؟ ولكن مع تكرار صراخي ومحاولاتي للتملص منه توقف، ونزلت فورًا من على الحصان، وكنا في قلب الصحراء، لا شبكة موبايل ولا شرطة سياحة، وقال أنني يجب أن أدفع 300 جنيه لكي يعود بي من حيث أتينا، وإلا سيتركني حيثما أنا، خفت من أن يتطور الأمر، قلت له أنني سأدفع عندما نصل، لكنه رفض.
أخرجت كل الأموال التي في جيبي، وكانوا قرابة 250 جنيه مصري و10 دولار، أعطيته المال، وعاد بي من حيث أتينا، تعرفين، فكرت في أن أبلغ الشرطة، لكني عندما التفت كان ذلك الشخص مع زملاءه ضاحكًا، لذلك فضلت المشي بأقصى سرعة ممكنه، كنت خائفة، كنت خائفة حقًا، لن أنسى أبدًا ذلك.
2- كنت في وسط البلد مع صديقي أفكر في شراء بعض الهدايا التذكارية، ودخلت أكثر من محل، وفي المحل الأخير أعجبني شيء فعلا، ولكن لم يكن معي المال الكافي لشراؤه، فقلت للبائع أني سأذهب للفندق لآتي بالمال وأعود، وخرجنا من المحل أنا وصديقي، وشعرت بشخص يسير خلفنا، ووجدته عامل من المحل الذي كنا فيه، في البداية ظننته لص، لكنه سار خلفنا لمدة 20 دقيقة، حتى وقفت فجأة ونظرت في عينه وسألته “لماذا تلاحقني؟!” قال أن صاحب المحل أرسله ليتأكد من أننا سنعود، ولكني لم أعد أبدًا.
3- التجار ليس لديهم عملات صغيرة. لقد اشتريت الكثير من الأشياء، من المطار والأسواق، وعندما أدفع وأنتظر بقية نقودي، يقول لي البائع أنه لا يمتلك عملات صغيرة “فكة” لكي يعيد لي الباقي، فالسلعة التي أشتريها بـ 70 جنيه مصري، أدفع ثمنها 100!.
4- انتهيت من العمل مع زميل أجنبي، وكان يريد رؤية خان الخليلي قبل سفره، هو في الستين من عمره وأنا امرأة في نصف عمره تقريبًا، رحبت بالفكرة وذهبنا، بمجرد دخولنا المنطقة قام أحد الأشخاص بوضع قبعة على رأسه عليها نقوش فرعونية، أخبره أنها هدية، ودعاه ليدخل المحل ولم يعجبه شيء، وعند الخروج طالبه البائع بدفع ثمن القبعة “الهدية”.
استغرب وردها إليه لأنه لم يطلبها من الأساس، لكن صاحب المحل قال أنها كانت هدية للتجربة فقط! وأن رائحتها تغيرت وتشممت عرقه لذلك يجب أن يدفع ثمنها، رفض وتركها ومشينا وتلحقنا الشتائم. بعد قليل وجدنا شخصًا يمشي خلفنا، اشترى زميلي بعض الأشياء وواصلنا المشي، وبدأت في سماع ألفاظ كذبتها في البداية. حاول أحدهم جذبه من ناحيه ليرى بضاعة رغمًا عنه، وسمعت أحدهم يوجه إليّ الكلام ويقول “كم يدفع لكِ في الساعة؟ أليس أولاد بلدك أولى من الأجانب؟” ثم هتف أحدهم بالإنجليزية “هاي، أيها الزائر.. كم تدفع لهذه العاهرة؟”
وضحكوا جميعًا. نظرنا لبعضنا البعض، وقررنا الابتعاد عن المكان فورًا، تأسف لي زميلي يومها على ما تعرضت له من إهانة، وتأسفت له بسبب ما حدث وإفساد ساعاته الأخيرة قبل السفر.
الصناعة المحلية للإرهاب
عندما أطلقت وزارة السياحة المصرية حملة كبرى لتنشيطها مرة أخرى، فرحت وقلقت في نفس الوقت، لأن الأحداث في مصر كثيرة وغير متوقعة، فالحظ يقابلنا أحيانًا – كما في حفل الموسيقار العالمي يانّي الذي كان له صدى جيد بالفعل- أو يذهب عنّا أحيانًا كثيرة – مثل سقوط الطائرة الروسية بعد الحفل بأيام!. لكن لا يصح أن نلقي باللوم كله على الحظ، لأن هناك حظًا آخر نصنعه بأيدينا.
مثلًا تقول صديقتي المتزوجة من رجل أجنبي أن زوجها دائمًا ما يقول لها “لديكم بحرين ونيل وشمس وطقس جيد وآثار ليس لها مثيل في العالم.. بالتأكيد أنتم تفسدون بلادكم عن قصد كي لا يأتي الناس من كل الكوكب للعيش هنا!”. وأنا آمنت تمامًا بصحة هذه المقولة، فإذا كانت الظروف سيئة، وإذا كان العالم متآمر علينا، والإرهاب يحاصرنا من كل جانب، فماذا فعلنا نحن؟
وما الذي نفعله نحن لنغيّر هذا الوضع؟ الإجابة أننا صنعنا إرهابًا محليًا، بدأ صغيرًا بالتحرش ببنات وأبناء البلد، وانتهى كبيرًا بالتحرش بأي شخص، وأي نوع، وأي جنسية، وأي جنس. وكأن الـ 99.3 % نسبة التحرش بالنساء في مصر – وفق أحدث دراسة للأمم المتحدة للمرأة في 2015 – لا تكفينا!. وإلى جانب التحرش، فهناك الفهلوة، والقيادة الجنونية بالشوارع، والنصب، والإبلاغ عن السياح لمجرد الاشتباه بهم!. جعلنا السائح يخاف من الناس قبل الأحداث، لأنه يعلم أنه قد يتم الإبلاغ عنه لأنه جاسوس، أو لأنه كان يلتقط صورة لم تعجب “مواطنًا شريفًا”، أو للاغتصاب والانتهاك الجنسي.
اقترح أحد أصدقائي حل أذكى، وهو استثمار الظروف السيئة والترويج مثلًا لسياحة المخاطر! وتكون صيغة الإعلانات السياحية “إذا كنت ترغب في مغامرة تحبس أنفاسك.. ترغب أن تعيش في دور المشكوك فيه، أو أن يتم اختطافك والتحرش بك، وأن تختبر نفسك وقدراتك في الدفاع عن النفس، تعال إلينا.. هنا تعيش المغامرة كاملة”. أعتقد أن هذه الصيغة أفضل من أن “تغري الزبون” بشيء ويصل ليجده شيء آخر!.
هذه هي مصر.. حقًا؟!
الحملة التي أطلقتها وزارة السياحة بوسم “هذه هي مصر ThisIsEgypt” والتي سببت جدلًا كبيرًا بسبب نشر صور سياحية وصور وأخرى شاركها الجمهور من واقعهم، لم تكن مشكلتها مجرد صور تم تحريرها بالفوتوشوب وأخرى لم تخضع لذلك. لم تكن مشكلتها أن الإعلان يبيع سلعة غير التي تظهر في الإعلان. بنفس طريقة العاهرة في فيلم “الإرهاب والكباب” عندما قالت أن دورها “إغراء الزبون” فقط، وعندما يقع في الفخ، يجد فتاة أقل جمالًا.
لدينا نهر النيل، ولكن الناس القوارب تغرق فيه ولا تجد من ينتشل الجثث، ولدينا الأهرامات من عجائب الدنيا السبع، ولكن الشيء العجيب الثامن أن نهمل كل هذا، ونلقي اللوم على الآخرين، ولكننا نحن الآخرين. كنت أرغب أن أجد حلًا آخر لكن للأسف لا يوجد سائق تاكسي فضائي يستقبل السائح بالمطار مثلًا! كما لم أعثر على كائنات من المريخ تحاول النصب عليه، وبالطبع لا يوجد بشر من كوكب زحل يتحرشون بهم!
أعلم أن مصر ممتلئة بالأشخاص المحترفين في مجال السياحة، وأعلم أن كثير من المصريين يتوددون للسياح ويعاملونهم بمنتهى اللطف والكرم ولا ينتظرون مقابلًا أو شكرًا على ذلك وهذه عاداتنا. ولذلك أطلب من المختصين أن يقوموا بتدريب وتأهيل العاملين في المجال، والتصدي لأي جرائم بشكل صريح وحاسم.
فإذا كان الوضع سيء لظروف خارجة عن إرادتنا، فلنقوم بتحسين ما هو متاح في أيدينا، فالناس أفضل سفراء لبلادهم، وحسن أخلاقهم وكرمهم أفضل من ألف إعلان سياحي. وقبل أن نعامل السياح كفريسة والسائحات كعاهرات، نفكر كم نكسب من مجيئهم، فلنفكر في ما يكسبوه هم من المجيء إلينا، وما يميزنا عن غيرنا، واستثمار وجودهم في عودة الحياة والعمل لقطاع كبير ممن فقدوا وظائفهم بسبب الركود.
صحيح أن بلادنا جنة لا مثيل لها في أي مكان في الأرض، وآثارنا نادرة وترابنا ذهب، لكن هذه المشكلة ستقضي على أيّة محاولات للنهوض بها، لأنه كما يقول المثل الشعبي “الجنة من غير ناس، ما تنداس”.
بسمة العوفي
كاتبة وصحفية مصرية
هافينغتون بوست عربي