لم يعد هناك شك أن خرائط جديدة يجري رسمها لدول المنطقة العربية لكن هذه الخرائط ترسم عادة بالدماء والضحايا مثل كل الخرائط التى تمت صناعتها خلال التاريخ ولو نظرنا إلي الحربين العالميتين الأولي والثانية علي وجه الخصوص نجد أن معظم خرائط الدول القائمة الآن جرت بعدهما ، وبقيت التغييرات التى تجري فى خرائط العالم محدودة بالأقطار بعد الحرب العالمية الثانية حتى انهار الأتحاد السوفيتي فعادت ألمانيا للتوحد مرة أخري وانضمت دول أوروبا الشرقية إلي الغرب وتفكك الأتحاد السوفييتي وتحول للأتحاد الروسي وقد كانت فترة الحرب الباردة وتورط روسيا فى أفغانستان هي السبب المباشر مع عوامل أخري كثيرة داخلية هي السبب الرئيسي فى إعادة رسم خرائط الأتحاد السوفيتي من جديد ، وعلي مستوي العالم العربي تم إعادة رسم خرائط السودان وانقسامها بعد حرب ضروس بدأت منتصف خمسينيات العام الماضي وانتهت بانفصال جنوب السودان عن شماله فى العام 2011 ، أما العراق التى تعتبر فعليا ممزقة الأوصال الآن فقد بدأت عملية تفكيكها عبر توريط صدام حسين فى حرب طويلة مع العراق استمرت من سبتمبر عام 1980 وحتى أغسطس عام 1988 وقد وصفت بأنها الصراع الأطول والأكثر دموية فى القرن العشرين حيث بلغت تكلفتها الأقتصادية 400 ملياردولار وأكثرمن مليون قتيل مع دمار كبير لم يكتف به صدام حسين حتى تم توريطه فى غزو الكويت لتكون هذه المغامرة التى وقعت فى العام 1990 الضربة القاصمة للجيش العراقي ثم حصار العراق الذي دام للعام 2003 حيث تم القضاء ليس علي نظام صدام وجيش العراق فحسب وإنما علي العراق كتاريخ وحضارة ودولة وكيان ولازالت دوامة الحرب قائمة ، وهذا يعني أن عملية تقسيم العراق بدأت فعليا فى العام 1980 حينما دخل صدام حربه مع إيران نفس الأمر يجري فى سوريا ويجري فى اليمن ويجري فى ليبيا ، وهي الدول العربية الأخري التى تم إعادة رسم خرائطها وتقسيمها فعليا لكن التقسيم لا يجري إلا بعد مزيد من الضحايا والدماء ، وما يحزن الأنسان فى كل هذه الحروب هو أن الضحايا سواء من القتلي أو المصابين أو المهجرين يصبحون مجرد أرقام دون الألتفات لحجم المعاناة والمظالم والجرائم التى تجري فالذين يعدون الخرائط ويشعلون الحروب لا يهمهم فى النهاية سوي أن يحققوا غاياتهم بعدها تصبح الخرائط الجديدة مطلبا من الجميع بعد إنهاكهم واستنزاف قدراتهم وتمزيق كيانهم السكاني ، فالمشكلة الآن ليست الآن ليست فى الخرائط الجديدة فهي أصبحت قضية مفروضة ولكن فى كم الضحايا والدماء التي تنزف والتى ستظل تنزف حتى تفرض الخرائط علي الأرض .
بقلم
أحمد منصور