العمالة الأجنبية في السودان … ضرورة أم مظهر اجتماعي؟! في خصوص الشغالات

مع تسارع وتيرة الحياة وازدياد أعداد الأمهات العاملات، أصبحت الحاجة لعاملات التنظيف أمراً ضرورياً وملحاً، نظراً لانشغال الأم بعملها وعدم وجود وقت كاف للتفرغ لأداء المهام المنزلية المعتادة، لذا لجأت الأسر للاستعانة بهن في الاضطلاع بكافة أعباء النظافة في المنزل نظير أجور شهرية أو أسبوعية أو يومية، بحسب الاتفاق بين الطرفين.

شر لابد منه
في الماضي كانت الأُسر تلجأ إلى استخدام عاملة محلية (وطنية) من أسرة فقيرة أجبرتها ظروف الحياة على ترك مقاعد الدراسة والبحث عن مصدر رزق لمساعدة أسرتها والمساهمة في الإيفاء بالتزامتها، كما اختارت بعض الأسر الاستعانة بنساء متقدمات في السن، ليساعدن سيدة المنزل في مهام إضافية مثل تربية الأطفال وإعداد الطعام مقابل أجور منخفضة مقارنة بغيرهن من عاملات التنظيف، حيث كانت الأجور في الماضي رمزية ولا تمثل عبئاً على الأسر.

مظهر تفاخر
اختلفت النظرة الحديثة للعاملات، حيث أصبح وجود العاملة المنزلية مهماً لدى قطاعا كبيرا من الأسر السودانية، ليس للحاجة فقط، بل كثيراً ما يتجاوزها إلى اعتبارات اجتماعية لما يختزن من إشارات إلى أن هذه الأسر غنية وميسورة الحال، ولم تعد عاملة النظافة مقصورة على الأسر العاملة، بل أصبحت فردا أصيلا في معظم المنازل حتى ولو كانت صاحبة المنزل لا تعمل، إذ أصبح وجود (الشغالات) مُستوجباً للتفاخر الاجتماعي ما ساهم في رفع أجورهن إلى ما يضاهي مرتبات الأطباء والمهندسين، خاصة الأجنبيات منهن، اللاتي يتم استقدامهن من خارج البلاد، وهذه الفئة تعد الأكثر طلباً نظراً لتوفرها بسهولة ووجودها في معظم الأحياء، ولكن لعدم وجود جهة مسؤولة عن تعينهن بصورة رسمية صرن يتحكمن في فرض أجور محددة صارت تترفع يوماً بعد آخر، حتى وصلت إلى مبالغ باهظة، ومما زاد الطين بلة تعمد تجاهل الجهات المسؤولة هذه الظاهرة التي تفشت في مجتمعنا، وأصبحت تمثل عبئاً مادياً على كاهل الكثيرين.

أيقونة اجتماعية ومظاهر سلبية
علي الرغم من محاولة بعض الأسر التخلي عن عاملة التنظيف وتوفير أجرتها التي أدت إلى اختلال في ميزانية الأسرة، إلا أن هذه الظاهرة قد ثبتت جذورها وانتشرت واستشرت، مما جعل الأغلبية ينساقون وراء أهواء المجتمع الزائفة التي جعلت العاملة أيقونة اجتماعية، عدم وجودها يدل على فقر الأسرة وصغر مكانتها في المجتمع.

عدم وجود جهة رقابية مشرفة على وجود العمالة الأجنبية داخل البلاد خلق نوعاً من الفوضى وعدم التزام العاملات في المنازل خصيصاً بالاستمرار في الخدمة، حيث تتراوح فترة خدمتهن في المنازل حسبما أفادتنا عينة من ربات المنازل تم اختيارها عشوائيا بين شهرين لستة أشهر كحد أقصى، كما ذكرت معظم المشاركات في هذه الإحصائية أن وجود العاملة في المنزل يؤدي للعديد من المشاكل أبرزها التأثير على الروابط العائلية في المنزل، حيث يتم الاعتماد عليها بجلاء من الأم في التربية وزرع القيم والأخلاق في الأطفال، مما يؤدي لنشوء جيل جديد اكتسب عادات وقيماً ولغات غريبة ودخيلة على مجتمعنا.

كما أن بعض العاملات يقمن بالسرقة والاعتداء على الأطفال وضربهم في غياب ذويهم، كما أن غياب الرقابة عن العاملات قد يؤدي إلى ظهور أمراض جلدية عند بعضهن قد تكون معدية، مما يهدد صحة الأسرة.
ومن جهة أخرى، قد يتم تقييد دور الأم والأب ويستبدل بالعاملة ليس فقط في تحضير الوجبات والتنظيف بل أيضاً في الإشراف على الأطفال، وهذه هي أهم الأسباب التي جعلت من ربات المنازل يلجأن لعاملات النظافة المحليات وتفضيلهن على العاملات الأجنبيات.

الانسياق وراء الوهم
لاشك أن الكل يبحث عن الرفاهية ويبذلون الغالي والرخيص في سبيل تسهيل الحياة، وجعلها يسيرة حتى لو اضطروا أن يقتطعوا ثمن هذه الرفاهية من أفواه أبنائهم، وأن يضحوا بمبالغ مالية كبيرة في سبيل إرضاء مجتمع سطحي يقيم الفرد على أساس ما يظهره من مقتنيات باهظة وأساليب حياة مزيفة، فهل سيأتي يوم ويدرك الهائمون وراء تيارات التفاخر الاجتماعي ولعبة المظاهر أن السطحية والانسياق وراء الوهم هو مرض العصر الذي لا دواء له، نسأل الله أن يرزقنا الرضا والقناعة والمنطق السديد.

الخرطوم -عبير مزمل
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version