«السودان عبارة عن رقعة جغرافية فقط.. ليس السودان شعبًا ولا دولة ولا أمّة».
محمد حسنين هيكل- 2013 قناة CBC
«1»كنتُ فى أبوظبى، حين أبلغنى العالم الكبير الدكتور أحمد زويل بأن علينا السفر إلى السودان.. غادرنا على الخطوط الإثيوبية إلى الخرطوم.. وما بين الاستقبال والوداع.. التقيْنا الرئيس عمر البشير وأعضاء مجلس الوزراء ونخبة من مُثقفى ومُبدعى السودان.
كان أبرز ما سمعناه فى لقاءات المثقّفين هناك ذلك الاستياء من نظرةِ استعلاءٍ تتبّدى بين اللحظة والأخرى.. تنظرُ إلى الجنوب بما لا يناسب ولا يجوز.
وربما كانت الحفاوة السودانية الكبيرة بزيارة الدكتور زويل هى حفاوة بمصر التى يعرفونها ويريدونها.. حفاوة بـ«الحضارة» التى نالتْ منها «السياسة».
«2»قال لى أحدهم: هل تريد أن أعطيك نموذجًا للفارق بين «الحضارة والسياسة»؟
انظر- مثلاً- إلى كوكب الشرق السيدة أم كلثوم والأستاذ محمد حسنين هيكل.
إن هيكل ينظُر إلى السودان من أعلى.. هو شخصية عنصرية.. هَاجَمَ الرئيس محمد نجيب بسبب صلاته العائلية بالسودان.. وانتقد لوْن الرئيس السادات.. واعتبر أن المكوّن السودانى فى السادات سُبّةٌ ونقيصَةٌ.
واصلَ مُحدّثى قائلاً: انظر إلى السيدة أم كلثوم.. مصر الحقيقية. إن كوكب الشرق جاءت إلى هنا.. وغنّت من كلمات شاعر سودانى كبير هو الأستاذ «الهادى آدم».. قصيدته الرائعة: «هذه ليلتى». وحين جاءت السيدة أم كلثوم إلى السودان.. استقبلها الشعب بحفاوةٍ تفوق الرئيس عبدالناصر.
«3» يقف الأستاذ هيكل ضدَّ العلاقة الوثيقة بين مصر والسودان.. وبما أنه لا يستطيع البوْح بذلك فإنه- كعادته- يلجأ إلى التمويه وصناعة التّيه.. حتى يقع الارتباك.. وتصطدم الأولويات!
يقول «الأستاذ» فى كتابه «مبارك وزمانه»: «الالتفات للسودان مع فائق أهميته ليس بديلاً عن دور مصر العربى».. وهى جملة لا معنى لها.. ذلك أنه لا تعارض على الإطلاق، ولا يوجد مواطن واحد يقول بأن الالتفات للسودان هو بديل عن دور مصر العربى.. ناهيكَ من أن كلمة «الالتفات» هنا هى كلمة «غير لائقة» والكلمة المناسبة فى أدبيّات السياسة والاستراتيجية هى «التوّجه» نحو السودان.. وليس «الالتفات» للسودان.
وعلى نحو ما ذكرنا فى «الوقفة الحادية عشرة» بشأن «الفلسفة العدميّة» عند هيكل.. يقول «الأستاذ»: «عقدتْ مصر مع السودان اتفاق تكامل.. لم أكن متحمسًا له، ولم أكن بالتأكيد ضدّه.. ولكن كل شىء لا بد أن يجىء بمعيار». ولا أعرف ما المعيار الذى يقول به «الأستاذ».. وماذا يعنى أنه لم يكن «متحمسًا» ولم يكن «ضدّ».. رغم أن الاتفاق.. كان جيدًا للغاية.. وفى صالح البلديْن.
وبدلاً من أن يتوجّه بالنقد إلى حقبٍ سابقةٍ أو لاحقةٍ ساءتْ فيها العلاقات بين القاهرة والخرطوم، إذا بالأستاذ ينتقد «التكامل» بين الدولتيْن!
«4» إن الأستاذ هيكل واحدٌ من المبشرين بالشرق الأوسط الجديد.. واتصالاً بما سبق أن أوضحنا.. فهو يرى أن معظم الدول العربية ليست دولاً.. وفى حالة السودان.. لا يرى الأستاذ فى السودان دولةً ولا شعبًا ولا أمةً.. وقد امتعض المثقفون السودانيون من أحاديثِ الأستاذ هيكل فى قناة الجزيرة، حيث كان يبشر بالتقسيم، ويتحدث باستمرار عن «التفكك» كأصلٍ فى السودان.. وعن تطفُّل الحالة الوحدوية عليه!
«5»إن الأستاذ هيكل الذى يحمل كل الآراء السلبية تجاه السودان أضرّ بمصر مرتين: مرة بإعلانه آراءه العنصرية وإساءاته إلى الدولة السودانية، ومرة بتحميل مصر مسؤولية الأحداث السيئة فى السودان.. تحت حجة «نقد السياسة الخارجية لمبارك»!
يعرف «الأستاذ» جيدًا أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك كان يمثل الدولة المصرية، وأن تحميله أى جرائم ضد الأمن القومى العربى هو تحميلٌ لمصر.
فى يونيو 2013.. قال هيكل بعد أن غادر مبارك السلطة بعاميْن: «أَفْسَدَ مبارك العلاقة مع السودان بتقديم السلاح للبشير لضرب الجنوب.. بعد ذلك قمنا بمساعدة الجنوب ضد الشمال».
إن الأستاذ هيكل هنا استخدم كلمة «مبارك» فى الجملة الأولى ثم استخدم كلمة «قُمنا» فى الجملة الثانية.. إنه فى هذا السياق يؤكد ما ذهبنا إليه.. أنّه يتهم مصر بتقديم السلاح لضرب الجنوب، ثم مساعدة الجنوب لضرب الشمال.. بغضّ النظر عن الزجّ باسم الرئيس مبارك.
نحن هنا إزاء احتماليْن: إما أن يكون ذلك صحيحًا.. ومن نواقص الوطنية، وسوء الانتماء أن يعلن هيكل ذلك ليضرب العلاقات «المصرية- السودانية».. ويرسِّخ أُسس العداء مع السودان شمالاً وجنوبًا، أو أن ذلك غير صحيح.. وهذا معناه أن «هيكل» الذى اعتمدَ معلوماتٍ خاطئة لأهدافٍ غير وطنية يمضى- واعيًا- إلى غايته.. صناعة الكراهية بين مصر والسودان، والإضرار العمدى بالأمن القومى المصرى.
بقلم: أحمد المسلماني
المصري اليوم