> قبل أيام، تناولت الوسائط الإعلامية قائمة قالت إن جهة ما طلبت من بنك السودان كشف الحسابات المصرفية لثلاثة عشر صحفياً، والحدث إذا صح، وأحسب أنه صحيح بحكم الوقائع الظرفية لواقع الصحافة والطقس العام، ولا شك أن غرابة الحدث تكمن في أن سهام الاستهداف التي انتاشت صحافيين يكابدون لإبقاء صحفهم على قيد الحياة في خضم صراع البقاء وسط واقع شائك مليء بالمطبات والعواصف والرعود، يتم غض الطرف عن كشف غطاء الستر عن جوكية المصارف وإعلان أسمائهم على الملأ كما توعد بنك السودان قبل حوالي ثماني سنوات، ففي العام 2008 هدد بنك السودان بكشف أسماء جوكية المصارف. حيث صرح محافظ البنك بإن هناك قائمة بعدد «30» من رجال الأعمال سوف يتم القبض عليهم لفشلهم في الالتزام بسداد مبالغ تصل لـ «500» مليون دولار قاموا بأخذها من البنوك سواء عن طريق المرابحات أو المعاملات البنكية، غير أن تهديد الفضح لم ينفذ، وفي ذات المنحى، كشف وزير العدل محمد بشارة دوسة آنذاك، أنه يتجه لاستدعاء مديري البنوك والضرائب لاستفسارهم عن أي شخص أو جهة مدينة للبنك عبر شيكات أو ترفض إرجاع الأموال للبنوك. وقال دوسة أمام البرلمان وقتها، إن وزارته ستعلن عن أسماء «الجوكية» للنشر القانوني باعتبارهم مجرمين تحصلوا على أموال عامة دون وجه حق، وأكد تفعيل هذه الإجراءات للحفاظ على المال العام، وقال الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام عبد الوهاب آنذاك لـ«الإنتباهة»، أن الاتجاه قد يلعب دورًا في مكافحة الفساد في السودان باعتبار أنه العامل الأول والمؤثر في حيوية الاقتصاد، وقال إن الحديث عن الجوكية يمثل أكبر عملية فساد في تاريخ البلاد والتي تقدر بأكثر من مليار دولار.
> لكن بعد الحديث عن هؤلاء الجوكية نفى وقتها رئيس اتحاد أصحاب العمل أن يكون فيها أي عضو من كبار رجال الأعمال أو أي عضو في المكتب التنفيذي للاتحاد «يعني الجماعة عنقالة ساكت». والمعروف أن تعثر الديون المصرفية يؤثر على البنوك ويكبل حركتها التمويلية ويكون لها تأثير سلبي في حركة الاقتصاد الوطني.
> ولعل المفارقة هي أن الكثير من المستثمرين الصغار والمنتجين يبحثون عن التمويل في وقت يستأثر به الجوكية بالمليارات.
> وقبل حوالي ثلاث سنوات كتب الأستاذ إسحق أحمد فضل الله الكاتب المعروف في عموده «آخر الليل» قائلاً «وبنك محترم يفاجأ بموظف ينجح في تحصيل مبلغ ضخم «2 مليار» والبنك يرسل للموظف خطاباً رقيقاً.. ينقله نقلاً هو نوع من العقوبة.. البنك يطبق الأخلاق التي تدير السودان اليوم». وكنت قد حكيت قبل سنوات عن رجل مستثمر نال مرابحة كبيرة نظير ضمانات غير كافية، وأن الموظف عندما وقف على هذا التجاوز حمل الأوراق وذهب إلى الرجل المسؤول في المصرف، وقال له إن الضمانات المقدمة لا تتناسب مع المبلغ المقرض للرجل، لكن المفاجأة أن السيد المسؤول لم يتكلم بل أمسك ورقة صغيرة كتب عليها الآتي «يكفيه نصيبه من الإيمان»، ثم دفع الورقة للموظف.
> وفي اعتقادي أن بقاء الصحف ومحاسبتها وفق القانون هو تأكيد لحكم دولة القانون وسيادته، وإذا تساقطت الصحف وحلت مكانها صحف رسمية فاعلموا «يا ناس الحكومة أن راجع الدفار محمدكم ورواج الواتساب مبشركم»، ويا ناس كشف الحسابات … الجوكية أولى بالفضح والا الصحافيين؟ والا ناس «يكفيه رصيده من الإيمان»؟ .. «أتقول قرأ إيمانو بموجات صوتية».