> مفاوضات برلين غير الرسمية بين وفدي الحكومة وقطاع الشمال بالحركة الشعبية، انفض سامرها دون التوصل إلى نتيجة أول من أمس، ولم تتمخض عن أي تقدم منتظر، وتباعدت المواقف أكثر من الجولة السابقة، ولم يكن لدى الحركة الشعبية قطاع الشمال سوى التمسك بمواقفها المعلنة السابقة منذ الجولة الأولى للمفاوضات الرسمية، قبل أكثر من ثلاثة أعوام، ولم يعد هناك من أفق جديد للحوار والاتفاق حول قضايا المنطقتين التي تعقدت أكثر بالتصلب والتعنت غير المبرر.
> ولعل من الواجب القول، إن الجولة غير الرسمية محكوم عليها بالفشل من حيث فكرتها نفسها. فعندما تقترح بين أي أطراف جولة تفاوضية غير رسمية، لتقريب وجهات النظر ومعالجة شائك الملفات قبل الدفع بها إلى المفاوضات الرسمية، لابد أن تتوفر شروط صحة لازمة، أولها توفر أرضية ورغبة مشتركة ومتبادلة بين الطرفين تسهل التحاور وتحدد نقاط الخلاف وتحصرها وتحرر المتفق عليها، وثانيها.. لابد أن يكون قد سبقها تحضير جيد يضمن عدم فشلها بحيث يكون تناول الموضوعات ليس بالحدة والتشدد كما في المفاوضات الرسمية، ويتم فيها طرح القضايا بشكل سلس وأقل حدة ويكون النقاش مفتوحاً لاستكشاف نقاط الالتقاء.
> في الجولتين غير الرسميتين السابقة في أديس وتلك التي انتهت في برلين مساء السبت، لم نلحظ أن هناك تغييراً قد طرأ على منهج التفاوض. فذات الطريقة في الجولة غير الرسمية هو ما كان يحدث في الجولات الرسمية، بتواجد الوسطاء والمسهلين من البيئة الإقليمية والدولية، وطبيعة الجلسات نفسها وإدارتها وكيفياتها، فالخلل واضح في أن التفاوض كان يمكن أن يتم بترتيب مختلف ومباشر دون الحاجة إلى طرف ثالث، كما أن الأجندة الموضوعة يجب ألا تكون قابلة للمزايدات والمساومات والتاكتيكات التفاوضية المعلومة.
> ويعني ذلك أن التفاوض غير الرسمي يكتسب أهميته، بالتخلص والتحرر من كل القيود التي تفرضها المحادثات الرسمية، ولا يترتب عليها أي التزام واضح، فهي تفاهمات وتقريب لوجهات النظر واتفاق من دون إطار محدد يتم تطويره ونقله إلى المضمار الرئيس والرسمي بعد الوصول إلى قناعات مشتركة.
> والملاحظ هنا، أن كلتا الجولتين غير الرسميتين، كانتا أشبه بعفو الخاطر، ولم يتم الإعداد والتحضير لهما بالشكل المطلوب لتحقيق النتائج المرجوة. فاللغة التفاوضية هي ذاتها والبيانات الصادرة والتصريحات بدت وكأنها مستنسخة من ركام الجولات السابقة، رسميها وغير الرسمي منها.
> ومن المفيد أن نذكر هنا، أن التفاؤل الذي ساد لدى البعض هنا، مرده إلى التغييرات التي طرأت على الإقليم من حولنا، والمرونة التي تتعامل بها أطراف دولية ذات نفوذ مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبية مع السودان وخفوت أزمة المنطقتين ودارفور وانحسار الاهتمام السياسي والإعلامي بهما، إضافة إلى أن الوضع على الأرض وميزان المبادرة العسكرية يميل إلى صالح القوات المسلحة الممسكة بكل زمام.. مع ضعف واضح وتراجع لقدرات الحركة الشعبية قطاع الشمال وقواتها في المنطقتين، وانهيار ما يسمى بتحالف الجبهة الثورية التي كانت تجمع قطاع الشمال بالحركات المتمردة في دارفور، فضلاً عن العوامل الأخرى المتعلقة بفاعلية الدور الذي كانت تلعبه دولة جنوب السودان في الدعم الكامل لهذه المجموعات العسكرية المتمردة.
> فإذا كانت الفكرة التي بنيت عليها الجولات غير الرسمية غير وافية وبالضرورة ليست ناضجة، فمن الخطأ الاستمرار فيها والتعلق بها، وقد بحت الأصوات المحذرة من فترة طويلة والقائلة بأن آلية الوساطة الإفريقية بقيادة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي غير حريصة على تحقيق السلام، وضعيفة للغاية لا تستطيع حسم أية قضية تفاوضية، وليست مؤهلة لممارسة الضغوط على الحركة الشعبية حتى تتخلى عن مواقفها المتشنجة والتعجيزية التي لا يمكن أن تقبلها حكومة لدولة ذات سيادة مثل الترتيبات الأمنية والعسكرية والإبقاء على جيش لقطاع الشمال في المنطقتين ووقف إطلاق النار المؤقت وكيفية مرور الإغاثة غير المحددة او المراقبة والقادمة من الخارج بلا قيود، ثم ملف المشاركة السياسية المفتوح على مصراعيه لإنتاج نيفاشا أخرى تخرب بلادنا كما خربتها الأولى ..!