مازالت حالة من الغموض تسيطر على واقعة القبض على محب دوس، الناشط السياسي المصري المعروف وأحد الـ5 المؤسسين لحركة تمرّد التي قادت مظاهرات 30 يونيو 2013في مصر، وأحد مَنْ كشفوا الفضيحة الكبرى لتمويل “تمرّد”، والذي تم اختطافه من وسط احتفالات الأقباط أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في 7 يناير/كانون الثاني 2016، وقبل حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي مباشرةً.
إجراءات دخول الكاتدرائية يوم العيد
مارسيل نظمي، صحفية وناشطة قبطية، قالت إن الإجراءات المتبعة في حضور القداس لا تسمح بحضور شخص من تلقاء نفسه، وأنه يجب أن يكون الحضور بناءً على دعوة رسمية يحصل عليها من الكنيسة، مشيرة إلى أن الحضور ينقسم إلى 3 أقسام: الأول فئة المدعوين من الشخصيات العامة وممثلي الأحزاب والمسؤولين بالدولة، والثاني يشمل ممثلي وسائل الإعلام، وفي كلا القسمين تكون دعوة الحضور بإخطار رسمي تشمل دعوة باسم صاحبها.
وعن القسم الثالث، تقول مارسيل في تصريحها لـ”هافينغتون بوست عربي” إن هؤلاء يكونون من الأقباط، وهنا يكون توزيع الدعوات البالغ عددها ما يقارب من 6000 دعوة، وفق آلية حصر طلبات راغبي الحضور من الكنائس المختلفة، ويتم تجميع الأسماء، وكانت الكاتدرائية في الماضي تقوم بتوزيع الدعوات على الكنائس التي تقوم بتوزيعها بمعرفتها، ولكن بعد واقعة احتفال 2012، التي أحرجت الكنيسة، حين قامت مجموعة من الحضور بالهتاف ضد المؤسسة العسكرية بحضور قيادات المجلس العسكري، تقوم الكاتدرائية بالتأكد من جميع أسماء الحاضرين، ولا يسمح بالدخول إلا لصاحب الدعوة بالاسم.
حقيقة ما حدث
جمال جورج، صديق محب دوس، خرج عن صمته أخيراً، وكتب تفاصيل ما حدث في مقال نشره بموقع الفجر المصري، وكشف فيه أن دوس كان أحد أفراد الحملة الانتخابية للواء حاتم باشات، وكيل جهاز المخابرات الأسبق المرشح لعضوية مجلس النواب عن حزب المصريين الأحرار بدائرة الزيتون في الانتخابات الماضية.
وقال: “يوم الاحتفال اتصل بي دوس وطلب حجز دعوة لحضور القداس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وبالفعل نجحنا في الحصول على دعويين من مكتب القمص سرجيوس سرجيوس وكيل الكاتدرائية، ودخلنا بالفعل إلى داخل الكاتدرائية من البوابة الرئيسية بعد تفتيش دقيق من أمن الكنيسة، ثم قرر بعض الأصدقاء دعوتنا إلى أحد المقاهي المجاورة للكنيسة”.
وتابع: “وما إن انتهينا، وتحركنا لمتابعة الاحتفال وسط همهمات البعض بوصول موكب الرئيس السيسي، وبمجرد اقترابنا من البوابة للمرة الثانية فوجئنا بعدد من الأشخاص مرتدين الزي المدني، علمنا بعدها أنهم تابعون لجهاز مباحث أمن الدولة يطلبون بطاقات تحقيق الشخصية، واستوقفوا دوس منفرداً، وبدأوا يتحرون عن هويته بشكل تفصيلي، وسألوه: مش أنت محب بتاع حركة كفاية؟ فأجاب: نعم، فطلبوا منه الذهاب معهم، رافضين إجراءه اتصالات باللواء باشات الذي كان حاضراً للقداس، وفي تلك اللحظة كان السيسي يلقي كلمته داخل الكاتدرائية”.
وذكر صديق محب أنه بعد ذلك تم اصطحاب دوس إلى قسم الوايلي التابع لحي الدمرداش، ومنه لمقر الأمن الوطني بالحي السادس في مدينة نصر، وتم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا دون وجود محامٍ، ووُجّهت إليه تهمة الانتماء إلى حركة متطرفة اسمها “جماعة يناير”، وأمرت النيابة بحبسه 15 يوماً على ذمة قضية قديمة مقيدة برقم 796 لسنة 2015، والمتهم فيها عدد من النشطاء السياسيين منهم غادة عبدالحميد وشريف دياب وآخرون، ثم قامت قوات الأمن بعد ذلك بمداهمة شقة دوس في مصر الجديدة، وصادرت اللاب توب الشخصي الخاص به، وقناعاً للشخصية السينمائية فانديتا.
رامي جان وكشافة الكنيسة
رامي جان، مؤسس حركة “أقباط ضد الانقلاب”، اتهم الكنيسة بأنها هي التي بلّغت عن دوس، قائلاً إنه أصبح لها مخابرات داخلية يسمونها الكشافة، والموضوع موثوق منه والكشافة على اتصال مباشر بالأمن ويبلغون عن أي شخص غير مرغوب فيه، ولهم سابقة من قبل وهي الاعتداء وسحل الصحفيين الذين يغطون الكاتدرائية.
وذكر جان في تصريحات صحفية أن البابا تواضروس الآن أصبح جزءاً من المخابرات؛ لأنه يكلف بعض الأشخاص من الكشافة بالتبليغ عن النشطاء الأقباط الذين يأتون للصلاة في الكاتدرائية، ودوس تم القبض عليه لمشاركته في ثورة يناير، ومن شارك في ثورة 25 يناير من الأقباط يتم التبليغ عنه من قبل الكاتدرائية.
كنا ننتظره..
وما يؤكد أنه تم تسليم محب في تلك الليلة، قول مصدر أمني: “بالفعل كان هناك رصد لتحركات محب منذ عدة أيام، وذلك بعد ورود معلومات تفيد بأنه كان يهدف لترديد هتافات مسيئة للرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء زيارته للكاتدرائية باحتفالات أعياد الميلاد”.
وذكر المصدر في تصريحات خاصة لـ”هافينغتون بوست عربي”، أنه تم رصد محب أثناء ترقبه حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتلك التحركات كانت ترصدها الجهات الأمنية، خصوصاً أنه كان من ضمن المجموعة التي رددت هتافات معادية للمؤسسة العسكرية في احتفالات الكاتدرائية عام 2012.
السيسي أسوأ رئيس مرّ على مصر
ويبدو أن دوس لم يترك فرصة لتوجيه انتقاده اللاذع ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظامه الحاكم الآن في مصر، وذلك ظهر في عدة مواقف، كان منها تصريحاته في الذكرى الثانية لتأسيس حركة تمرّد، حيث قال: “السيسي أسوأ رئيس مرّ على مصر في تاريخها الحديث منذ عصر الخديوي توفيق، ومثلما ساعد الخديوي توفيق على تمكين النفوذ الإنجليزي من مصر، ساعدت سياسات السيسي على تمكين النفوذ الإسرائيلي الأميركي من مصر، منذ أن كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية”.
وأكد دوس في حوار نشره بموقع “مصر العربية”، وقام بنشره على صفحته الشخصية بفيسبوك، أن “السيسي تم انتخابه ولكنه فقد شرعيته، ويجب إسقاطه؛ لأنه يسير بنهج أسوأ من جميع الأنظمة التى حكمت مصر فى العهد الحديث”.
شخصية محب سبب اعتقاله
محمد سيد إبراهيم، الباحث المتخصص في الحركات الثورية، قال إن دوس يعد من أبرز رموز حركة تمرّد، ليس كونه من ضمن الخمسة المؤسسين لها، ولكن لتاريخه مع حركة كفاية التي عارضت توريث الحكم لنجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك قبل ثورة 25 يناير.
وأكد إبراهيم، أنه وفقاً لعدد من المعطيات، فإن معارضة محب للسيسي تمثل خطراً سياسياً كبيراً عليه لعدة أسباب، أحدها أنه مسيحي الديانة، والأقباط من الكتل الصلبة التي تؤيد السيسي طوال الفترة الماضية، بجانب أنه أحد مؤسسي الحركة التي أطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي، وأسقط حكم الإخوان ومهدت الطريق لقدوم السيسي كرئيس للدولة.
وأشار إلى أن محب دوس هو مَنْ كشف في مؤتمر كبير في بداية 2014، عن حجم التمويل الذي حصل عليه بعض قيادات “تمرد”، وهي الواقعة التي تم نشرها حينها تحت عنوان “الفضيحة الكبرى”.
هافينغتون بوست