في خطوة لم تكن في الحسبان، ولا في البال، ولا في الخيال، وفي ظل تنافر الأحزاب السياسية يندمج حزبان سودانيان في حزب واحد وهو حزب الإخوان المسلمين الذي انشق خلال حقبة الستينيات تقريباً وأصبح حزب الإخوان المسلمين بقيادة مولانا شيخ “صادق عبد الله عبد الماجد”، وجناح آخر باسم الإخوان المسلمين أو جبهة الميثاق أو الحركة الإسلامية بقيادة الدكتور “حسن الترابي” الذي تحول الحزب من بعد إلى الجبهة القومية الإسلامية، لقد فاجأ الإخوان المسلمون كل الأحزاب السياسية التي انقسمت على نفسها وأصبحت عدة تيارات باسم واحد كأحزاب الأمة والحزب الاتحادي، ثم الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني، وفي ظني ما قام به الإخوان المسلمون من اندماج يفترض أن يشجع بقية الأحزاب السياسية الأخرى بالعودة إلى مواقعها القديمة مع حزب الأمة القومي وهي الإصلاح والتجديد والقيادة الجماعية والتنمية والفيدرالي وغيرها من الأسماء الأخرى، وكذا الحال بالنسبة للإخوة في الحزب الاتحادي يفترض أن يعود الجميع إلى المسمى القديم، الأمة بدون إضافات والاتحادي، كذلك وحتى حركة الإخوان المسلمين المندمجة الآن يفترض أن تندمج مرة أخرى مع المؤتمرين الوطني والشعبي ليعود الاسم القديم جبهة الميثاق أو الجبهة القومية الإسلامية بقيادتها التاريخية، وكذلك الحزب الشيوعي وحزب البعث حتى تكون لنا أحزاب متماسكة غير مبعثرة تعمل على خدمة الوطن وليس خدمة المصالح الشخصية.
وإذا نظرنا أيضاً لما حدث لحزب المؤتمر السوداني الذي كان يرأسه “إبراهيم الشيخ” وفي عملية ديمقراطية، التزم الحزب بانتخاب رئيس جديد وهي أيضاً من المحاولات الجيدة في الممارسة الديمقراطية والتي نفتقدها في أحزابنا السياسية المختلفة خاصة الأحزاب التقليدية أمة، اتحادي، شيوعي، جبهة إسلامية.. فكل قيادات تلك الأحزاب ما زالوا متمسكين برئاسة الحزب، ولم يفسحوا المجال لجيل الشباب الذي يفترض أن يحمل الراية بأفكار جديدة بدلاً عن الأفكار التقليدية القديمة والبالية.
حدثني أحد الإخوة قبل فترة أن الإمام “المهدي” عليه السلام والذي أسس أول دولة إسلامية بالبلاد، وتمددت دولته في كل الاتجاهات، قال لي إن الإمام “المهدي” كان عمره وقتها ثلاثة وأربعين عاماً وخليفته الخليفة “عبد الله التعايشي” كان عمره اثنين وأربعين عاماً، أما الأمراء “حمدان أبو عنجة” و”عثمان دقنة” فلم يتجاوزا الثلاثين من عمرهما. ما زالت قيادات أحزابنا التي تجاوزت الثمانينات من العمر، متمسكة برئاسة الحزب، ولم نجد شيئاً ملموساً منهم كما فعل الإمام “المهدي” مع الإنجليز أو الغزاة، ما زالت قياداتنا تتصارع فيما لا شيء، صراع وخلاف في قضايا شخصية، ولم يتقدم الوطن ليكون في مصاف الدول المتقدمة، جلهم يسعون لامتلاك القصور والأموال، لذا فإن خطوة الإخوان المسلمين الاندماجية وممارسة حزب المؤتمر السوداني الديمقراطية في أسمى معانيها وانتهاء فترة رئيس الحزب بدورتين، هذا هو الذي يفترض أن توافق عليه كل الأحزاب السياسية، فهل نتوقع من الأحزاب الكبيرة إعلان اندماجها في حزب واحد وتعود الطيور المهاجرة إلى أوكارها؟