الحركة الإسلامية لم تحكم حتى الآن وتتحمل غسيل “الوطني” والحكومة
هل يعقل أن تفشل السلطات في تحديد قتلة ضحايا سبتمبر بعد مرور عامين ؟
غازي صلاح الدين فاز في انتخابات الحركة الإسلامية لكن حدث تزوير لصالح علي عثمان
الترابي ارتكب خطأ فادحاً جداً بحل مجلس شورى الحركة الإسلامية
الموتمر الوطني غير جاد في الحوار والفساد سببه البداية الخاطئة للإنقاذ وحل الحركة الإسلامية
حوار: أبوبكر صالح حميدي – تصوير: محمد نور محكر
أرجع القيادي بحركة الإصلاح الآن حسن عثمان رزق انتشار الفساد في الدولة إلى حل مؤسسات الحركة الإسلامية ووجود أشخاص حول الرئيس أصحاب خلفية عسكرية تغلب عليهم طبيعة طاعة الأوامر أكثر من كونهم مستشارين، كما نفى تحمل الحركة الإسلامية مسؤولية الفساد بحكم أنها لا تستطيع تعيين أو عزل مسؤول أو وزير لأنها لم تكن موجودة فضلاً عن عدم مشاورة عضويتها في أي قرار في بداية الإنقاذ التي كانت تتخذ فيها القرارات بصورة فردية من نائب الأمين العام.
وعن تكوينهم لحزب الإصلاح، قال: كنا حريصين على الإصلاح من الداخل، لكن ضاق البعض بنا ذرعاً وتم عزلنا، وكذلك شكك في جدية الحكومة والموتمر الوطني في إنحاج الحوار الطني وإنفاذ مخرجاته مؤكداً أنها تنصلت من كل ما اتفق عليه من إجراءات بخصوص بناء الثقة بينها والأحزاب المتحاورة.
ـ بداية خرجتم من المؤتمر الوطني بدعوى الإصلاح، ولكن ألم يكن من الأجدى الإصلاح من داخل الحزب؟
أولاً، كثير من الناس يقولون لنا إنكم خرجتم من المؤتمر الوطني، ولكن الحقيقة هي أننا لم نخرج بل أخرجنا منه، وقد كان رأينا أن نصلح من الداخل باعتبار أن الموتمر والوطني هو التنظيم الأكبر الموجود في الساحة، وفي صلاحه صلاح للبلد لأنه الحزب الحاكم، لكن بعض النافذين بالمؤتمر الوطني ضاقوا بنا ذرعا ولم يتحملونا فنحن بدأنا الإصلاح من الداخل، وكانت أول خطوة قمنا بها هي رفع مذكرة للرئيس لكن بعض قيادات الحزب استعجلوا محاكمتنا فيما يتعلق بأحداث سبتمبر، لأننا كنا قد أصدرنا بياناً وقع عليه 31 عضواً قلنا فيه إن المسألة تجاوزت الظلم التقليدي من اعتقال وتعذيب إلى القتل. ومعلوم أن دم المسلم أغلى من الكعبة المشرفة.
ـ لكن الحكومة نفت أنها من قتل المحتجين؟
لا، الحكومة اعترفت وحددت أن عدد القتلي فى حدود ثمانين مواطناً، لكن المعارضة تقول إنهم أكثر من مائتي شهيد ونحن نأسف جداً لأنه حتى الآن لم يكشف عن أي مسؤول يتحمل هذه الأحداث.. عربات جاءت بدون لوحات في وضح النهار بلباس مدني، وهذا ليس حديثا منطقياً، ونحن نعلم ذكاء الأجهزة الأمنية والعدلية في السودان، حيث كشفت عن جريمة اغتيال محمد طه محمد أحمد التي لم يحضر تنفيذها أحد في منتصف الليل، وبمكان نائٍ كشفتها في وقت وجيز جداً، وغيرها من جرائم السرقة والقتل، إذن كيف تعجز هذه الأجهزة عن كشف من قتل هؤلاء بعد مرور عامين عليها، هذا يعني من نفذ ذلك إما من النافذين أو أن الشرطة تعلم لكنها لا تستطيع الكشف.
ـ لكن هنالك من يقول إنها ليست مظاهرات بل مندسون من جهات معارضة مندسة قصدت التخريب أي أنها حركة تخريبية وليست احتجاجية.؟
تخريبية أو مندسة أو غيرها هذا ليس مبرراً للقتل، كان يجب القبض عليهم وأن يحولوا للقضاء وهو الذي يحدد إن كانوا مخربين أو مواطنين عاديين، لكن لا يمكن أن تكون أنت الخصم والحكم فهولاء قد خرجوا ضدك لذلك كان أولى بك تقديمهم لمحاكمة عادلة لا يمكن أن تقتلهم وتتهمهم في آن واحد في مثل هذه القضايا تأتي جهة محايدة وعادلة، وفي كثير من الأحيان تكون من خارج البلد لضمان الحياد.
ـ خارج البلد يعني تشكيكاً في المؤسسات العدلية في السودان؟
هذا لا يعني تشكيكاً، هذا فهم خاطئ جداً لأن القاضي في عهد الصحابة رفض شهادة الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة لأبيهم علي بن أبي طالب، وقال له شهادة الإبن لأبيه لا تجوز لأنه توجد شبهة وليس تشكيكاً في صدقية أبناء سيدنا علي كرم الله وجهه، وكذلك المصلحة تؤثر في الحياد أعني في النهاية أن أهل الذين قتلوا يجب أن يحتكموا لقضاء عادل يثقون في حكمه ومخرجاته.
ـ عودة لسؤالي الأول هل الإبعاد تم عبر المؤسسات الحزبية أم من نافذين؟
طبعاً البعض شعر أن هنالك من ضاق بهم ذرعاً سواء من أعضاء الحركة الإسلامية أو الموتمر الوطني وإن استمر الحال هكذا سينقلبون عليهم لأننا كنا ننادي بالشورى والديمقراطية وإصلاح المعوج، وهذا سيطيح بعدد كبير من الفاسدين وغير المؤهلين لتولي المناصب سواء في الدولة أو الحزب فآثر هؤلاء أن “يتغدوا بينا قبل أن نتعشى بيهم”، وهذا وضح في انتخابات الحركة الإسلامية التي رشحنا فيها غازي وقد فاز فيها، الآخرون رشحوا علي عثمان من دون أخذ رأيه وموافقته بحجة أنه النائب الأول للرئيس وهو في نيفاشا يجب أن لا يطعن من الخلف، وقد تكون هنالك تأثيرات سالبة رغم ذلك فاز دكتور غازي، لكن كان هنالك تزوير ذكره لي أحد أعضاء الأمن الشعبي حتى في العام 2013 دفعنا بالطيب إبراهيم محمد خير، وفاز لكن في الاجتماع الثاني كان هنالك سؤال حول هل يتم الانتخاب من الموتمر العام أم من خلال مجلس الشورى جاءوا بألف من الأمن الشعبي وأدخلوهم في الموتمر العام بغرض تحويل الانتخاب لمجلس الشورى.. يا أخي هل تتصور أحداً في الدنيا كلها تعطيه خيار أن ينتخب هو أم يحول الانتخاب لغيرك ويختار غيره!! المهم تحول الانتخاب لمجلس الشورى بغرض التحكم في اختيار الأمين العام. كما أنهم عندما قرروا محاكمتنا ذهبنا نحن ورفضها د. غازي وعندها من نصّب لمحاكمتنا بدأ يسألنا ولكن قلنا له يجب أن لا تبدأ بمحاكمتنا قبل أن تعرف هل نحن موافقون على الجهة التي ستحاكمنا أم لا؟؟ ومعروف حتى في الخدمة المدنية أي لجنة محاسبة تكون لمحاسبتك أو محاكمتك يجب أن تكون ممن هو أعلى منك رتبة وفي بعض الأحيان يأتون بأشخاص من خارج المؤسسة ليكون الأمر أكثر، حيدة لذلك اعترضنا عليه بحكم أنه غير محايد فهو من الجناح الذي يريد محاكمتنا واعترضنا على آخرين لأننا عندما كنا جزءا من الحركة الإسلامية هم لم يولدوا حتى.
ـ مقاطعاً… هذه لوائح حزبية لماذا لم تمتثل لها؟
لا توجد لوائح مفعّلة، وفي مثل هذه الحالات تحتكم للوائح مماثلة، يا أخي الخدمة المدنية من أيام الإنجليز وحتى في المحاكم العادية إذا كنت معترضاً على القاضي يتم تغييره رغم ذلك امتثلنا ومن بعدها تمت محاكمتنا غيابياً، وتم فصلنا دون أن يأتي من يستمع لنا، بعدها ذهبنا لمجلس الحركة منعنا من دخول مجلس شورى الموتمر الوطني رغم أنهم قدموا الدعوة لنا لكن منعنا من الدخول، ولم يتيحوا لنا الفرصة لندافع عن أنفسنا، كانوا يخشون أن يؤثر خطابنا على العضوية لكن المدهش في الأمر أن قائمتنا هذه كانت تضم أعضاء على خلفية عسكرية وهؤلاء لم يتم فصلهم.
ـ هل تعني أنهم قصدوا إسكات الأصوات المزعجة أو المنافسة لهم؟
قلنا حينها حديثاً ولا نزال نقوله ويدور حتى الآن وسط العضوية التي لم تتسخ من المؤتمر الوطني بعد، وهذا ما يخشونه رغم ذلك تبنوا حديثاً عن الإصلاح وكونت لجنة لإصلاح الحزب والإصلاح داخل الحكومة وكتبوا أوراقاً بذلك أتوقع أن تكون جيدة رغم أنني لم أطلع عليها، ولكن حتى هذه لم ينفذ منها شيء حتى الآن، فمازال الحال كما هو ومسيرة الإنقاذ تسير في هاوية، لكن هنالك إدراك أن البلد يجب أن لا تدار بهذه الطريقة وأن لا تظل الحركة الإسلامية مهمشة بهذا الشكل.
ـ عندما أتيتم للسلطة رفعتم شعارات إسلامية وكان يجب أن تكونوا تجربة هادية للنهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر لكن للأسف انتشر الفساد؟
لأن البداية كانت خطأ، فبعد الانقلاب مباشرة أوكل الأمر كله لنائب الأمين العام علي عثمان محمد طه، وحينها كان د.كتور الترابي داخل السجن وبدلاً من أن يخرج بعد شهر أو شهرين ظل بالسجن ثمانية أشهر، وفي تلك الفترة نائب الأمين العام لم يكن يستشير أحداً وحينها قيادات الحركة الإسلامية كانوا يتذمرون لأنهم لا يعرفون ماذا يدور بخصوص تعيين الوزراء والتنفيذيين، وبعد خروج الأمين العام د. الترابي من السجن مباشرة ارتكب خطأ فادحاً جدًا وهو حل مجلس الشورى وكان ذلك قاصمة الظهر بالنسبة للمشروع الإسلامي لأن مجلس الشورى كان حارسًا للمشروع الإسلامي، وفي الدول الأخرى التنظيمات المماثلة في تركيا وتونس ومصر وحتى حركة حماس ظلت محتفظة بتنظيماتها، ولكن نحن أول ما فعلناه هو قطع رأس الحركة، وبالتالي لم يكن هنالك رقيب وكل القيادات حينها تفرقت بين الجهاد والأجهزة الأمنية والكل أصبح يجتهد بطريقته حتى القطاعات الحية تم تذويبها كالطلاب والشباب واتحاد المرأة رغم وجود واجهات حملت اسمها.
الشيء الآخر أن الرئيس بعد انتخابه جعل كل من حوله من النظاميين، وطبعاً هؤلاء لا يناقشون أوامر وإنما ينفذونها فقط بحكم أدبهم العسكري من جيش وأمن وشرطة والرئيس بشر يخطئ ويصيب، ويحتاج ليكون بجانبه مستشارون أكفاء، وهذا ما لم يقم به أصحاب الخلفية العسكرية، كان يجب أن يكون للرئيس مستشارون ليعكسوا له الواقع و”يفرملوا” بعض القرارات، لذلك انعدمت النصيحة وأصبح الرئيس لا يعلم ما يدور في الشارع ففي مثل هذا الجو تكونت البطانة الفاسدة.
شيء آخر كان الاتفاق يقتضي أن يبقى قادة الإنقاذ سنة أو سنتين في السلطة في هذه الفترة نؤمن أنفسنا في الأجهزة النظامية لأنه من أسباب قيام الإنقاذ هو أن هنالك ثلاثة انقلابات مؤكدة واحد نفذ وأجهض قبل أسبوع من الإنقاذ وآخر كان معداً، والخطة كانت بدرج الفريق فتحي أحمد علي قائد الجيش في ذلك الوقت والأخير انقلاب البعثيين الذي نفذ في 28 رمضان وهو الأخطر على الإسلاميين بحكم أنه آيدولوجي وكان سينفذ فيهم مجازر كما حدث في سوريا والعراق وغيرها، لكن كان هنالك اتفاق على إعادة الوضع الديمقراطي وتم تكوين لجنة فيها الطيب زين العابدين من مجلس الشورى المنحل لكن “الجماعة لقوا أخوانا مطيعين نسوا الفكرة” وأنا هنا أقول كلاماً للتاريخ إن كنا متأكدين أن الانقلابات التي ذكرتها وطنية مثل انقلابات عبود وسوار الدهب ليس فيها خطر على قياداتنا الموجودة في السجن ما كنا سننفذ هذا الانقلاب لذلك الخطأ من البداية كما قلت وللعلم الحركة الإسلامية لم تحكم أصلاً.
ـ مقاطعاً قلت حتى الآن الحركة لم تحكم ومن كان يحكم إذن؟
نعم لم تحكم إلى الآن وهناك ناس “تنبذ وتشتم الإخوان في الفيس بوك والنت وغيرها من وسائل التواصل”.. كيف تحكم وهي حلت في الربع الأول من عام 90 ولم ترجع إلا بعد الانشقاق في عام 99 م.
ـ بعد أن عادت ألم يكن لها تأثير في القرار؟
نعم، لأنها عادت وتم تكوين الكيان الخاص وهو كيان صغير وهي حركة غير مسجلة حتى الآن ولا تستطيع أن تؤثر في أي قرار سياسي ووضعت في جيب الحكومة لذلك عادوا الى العمل في المساجد والعمل المجتمعي وترك “ما لقيصر لقيصر” ومثل الطريقة الأموية والعباسية، فالحكم بيد جهة معينة، ويدار بطريقة معينة حتى الحركة الإسلامية لا تستطيع أن تعين أو ترفد وزيراً ولا تحارب فساداً.
ـ ولكن الحركة الإسلامية تحكم عبر جناحها السياسي وابنها الموتمر الوطني؟
نعم، هناك من يقول إن الموتمر الوطني هو الابن الشرعي للحركة الإسلامية، وأنا أقول هو ابن غير شرعي ولا صلة لها بتكوينه، فهي حلت في بدايات عام 90 كما قلت وهو رسمياً ظهر في أبريل 91 فكيف لها أن تكون حزباً وهي محلولة… نحن لم نجتمع حينها، أنا كنت في آخر مجلس شورى أنشأه الأخ الترابي مع الحكومة ولم يكن يتجاوز عدد الإخوان 40% في كل مؤسسات الحزب يعني 60% من عضوية المؤتمر الوطني كانوا من غير الإخوان، فكيف تكون الحركة حاكمة إذن؟؟ نعم هناك أفراد من الحركة الإسلامية حكموا لكن من غير مرجعية الحركة الإسلامية ومؤسساتها، حتى أنا طيلة الفترة التي كنت أعمل فيها تنفيذياً لم تكن الحركة إسلامية توجهني أن أعمل كذا أو كذا، فهي تحملت أعباء غيرها أصبحت حبلاً يُعلق عليه غسيل المؤتمر الوطني والحكومة.
ـ دعنا ننتقل للحوار الوطني، لماذا خرجتم منه، وهل الحكومة جادة في تنفيذ مخرجاته؟
نحن في حركة الإصلاح الآن عندما دخلنا الحوار كنا جادين في حل أزمة البلاد بدليل أننا تجاوزنا قضية فصلنا التي لا يزال جرحها ينزف الدماء، ولم تندمل بعد، ولكن عندما جاء نداء رئيس الجمهورية للحوار شاركنا وكتبنا خارطة الطريق ووثيقة أديس أبابا وكان لنا دور كبير في هاتين الوثيقتين، وكنا نؤمل في أن نجد الحلول رغم أن لدينا تجارب معهم ونعرف أنه قد يكون مخادعاً، لكن ارتضينا الحوار لنقيم عليه الحجة بأن نصل إلى آخر محطة معهم، ومضينا بصورة جيدة حتى بعد خروج الصادق المهدي ثم بدأت المعاكسات بعدما اتفقنا وتنصل المؤتمر الوطني مما اتفقنا عليه من حريات للصحافة وحرية التعبير وممارسة الأحزاب لنشاطها خارج دورها وإخراج المعتقلين السياسيين كلها تنصل عنها رغم أنها اتفاقات مكتوبة كإجراءات لتهيئة المناخ وبناء الثقة، إذاً كيف أثق فيك وأنت تحرمني من أبسط الحريات، ثم بدأوا في تجنيد أفراد من داخل لجان الحوار الوطني واستطاعوا يجندوا اثنين منهم.
الصيحة