في خطوة مفاجئة وبصورة لم تحدث في الوقت القريب في الأحزاب السياسية السودانية التي معظم رؤسائها لم يتنازلوا إلا إلى القبر، تقدم “إبراهيم الشيخ” رئيس حزب المؤتمر السوداني باستقالته من رئاسة حزب المؤتمر السوداني وانتخب الحزب المهندس “عمر الدقير” رئيساً لدورة جديدة، “إبراهيم الشيخ” عرف كرجل أعمال وسبقت شهرته المالية السياسية، وتعرض للاعتقال بسبب تصريحات انتقد فيها قوات الدعم السريع، فيما يرى مراقبون أن الاستقالة التي تقدم بها “إبراهيم الشيخ” عبر وسائط التواصل الاجتماعي في العام المنصرم كانت سبباً كافٍ لتنحيه من رئاسة الحزب لا سيما أن بعض الشباب في الحزب أبدوا تذمراً من بقائه في رئاسة الحزب لدورتين متتاليتين، ولكن المؤتمر السوداني أرسى أدباً جديداً يتمثل في تغيير القيادات وعدم (الكنكشة) وعدم استخدام الحزب إلى قطاع تنظيمي على الرغم من أن “إبراهيم الشيخ” عند شباب المؤتمر السوداني كـ”الترابي” عند أبناء المؤتمر الشعبي، و”البشير”عند أبناء المؤتمر الوطني، و”المهدي” عند أبناء حزب الأمة القومي، و”الميرغني” عند أبناء الاتحادي الديمقراطي الأصل وهو يمثل كل هذه الرمزيات ولا يقل عنهم ألقاً ولا تضحية، لم يتحدث عن اعتقاله المستمر ولا إنفاقه على الحزب، ولكن شباب المؤتمر السوداني يقرأون جهراً (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ…)، لأن الطريق إلى الأمام لا يرتبط بالأشخاص مهما كانت عبقريتهم وإلهامهم للجماهير.
وعقد المؤتمر السوداني (الجمعة) مؤتمره العام الخامس، حيث انتخب المهندس “عمر الدقير”، ليخلف رجل الأعمال “إبراهيم الشيخ” على زعامة حزب المؤتمر السوداني
وتأسس حزب المؤتمر السوداني، الذي ينشط بشكل لافت في العمل المعارض، في الأول من يناير 1986 بقيادة رئيس القضاء الأسبق “عبد المجيد إمام” الذي توفي، فتولى قيادة الحزب “إبراهيم الشيخ”، وتقلد “الدقير” منصب نائب رئيس الحزب، قبل اختياره يوم (الجمعة)، رئيساً. ولد “عمر يوسف الدقير” في العام 1962م وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد وبنت، يحمل بكلاريوس هندسة ميكانيكية من جامعة الخرطوم، وماجستير إدارة المشاريع الهندسية من جامعة (قلامورقان) بالمملكة المتحدة، شغل منصب رئيس الجمعية الهندسية لطلاب كلية الهندسة بجامعة الخرطوم في الفترة من (83 – 1984)، ورئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم(1984-1985)، وعضو الأمانة العامة للتجمع النقابي الذي قاد الإضراب السياسي العام خلال انتفاضة أبريل المجيدة، عمل مهندساً بمسبك الخرطوم المركزي من العام 1986 حتى الإحالة للصالح العام عام 1989م، اعتقل خلال فترة نظام مايو بسجون كوبر ودبك، وخلال نظام الإنقاذ بكوبر وسواكن وبورتسودان، عمل مهندساً استشارياً في مشاريع البنى التحتية بإمارة أبوظبي بدولة الإمارات، ورئيساً سابقاً لفرعية حزب المؤتمر السوداني بدولة الإمارات، وشغل منصب الأمين العام للنادي السوداني بأبوظبي لدورتين، عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني ونائب رئيس الحزب.
وقال الحزب في تصريح صحفي، “في جو ديمقراطي التأم شمل المؤتمر العام لحزب المؤتمر السوداني، مقدماً درساً مجانياً وبليغاً في الديموقراطية الحقة المبرأة.. ترجل الرئيس السابق “إبراهيم الشيخ” عن رئاسة الحزب وهو في كامل ألقه وتوهجه وعطائه”.
ورفض “الشيخ” مقترحاً تقدم به أحد أعضاء المؤتمر بتعديل النظام الأساسي بما يمكنه من تولي رئاسة الحزب لدورة ثالثة، وترشح لمنصب رئاسة الحزب كل من “بدرية عبد القادر، عمر الدقير، الماحي سليمان، وعبد الله شمس الكون”، كما ترشح لرئاسة المجلس القومي للحزب كل من “الناير حامد سليمان، معتصم محمد الطاهر، وعبد القيوم عوض السيد”، وأسفر التنافس عن فوز الأخير.
ويتكون المجلس المركزي للحزب من (80) عضواً، لكن مقترحاً سيطرح بين يدي المؤتمر العام ليكون عدد مقاعده بين (80 ـ 100) مقعد، وسيتم تصعيد المجلس المركزي من خلال الكليات الانتخابية التي تشمل (18) ولاية، إلى جانب المهنيين والطلاب والكليات التكميلية التي تمثل (5%) من مقاعد المجلس سيسميها المجلس.
واستمرت جلسات المؤتمر العام لحزب المؤتمر السوداني حتى مساء أمس (السبت)، التي خصصت لاجتماع المجلس المركزي المنتخب، على أن تكون الجلسة الختامية مساءً لإعلان التوصيات والأجهزة المنتخبة بحضور ممثلي القوى السياسية ووسائل الإعلام.
فيما قال الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي “يوسف حسين” لـ (المجهر) إن تجربة حزب المؤتمر السوداني تعتبر متقدمة جداً وهي ظاهرة إيجابية في الممارسة السياسية المعمول بها في كل الدنيا أن تختصر لدورتين فقط ويمكن أن يعود نفس الرئيس بعد مضي دورة أو دورتين حسب دستور الحزب، وفي نفس الدورة لا يمكن أن يتقلد الرئيس المتنحي منصب السكرتير السياسي وسيظل قيادياً بالحزب، وأضاف “حسين” يمكن تطبيق ذلك في كل الأحزاب السودانية بما فيها الحزب الشيوعي السوداني، وفي الوقت ذاته استبعد “حسين” تطبيق ذات النهج في الأحزاب التقليدية الطائفية (الأمة – الاتحادي) التي تقوم على المراغنة والمهدية في النهج، ولذلك سيصعب تغييرها في الوقت الراهن.
أما الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي الأستاذ “كمال عمر عبد السلام” قال في حديثه لـ (المجهر) إن تجربة المؤتمر السوداني جديرة بالاحترام ولكنها تمت ناقصة، وزاد بإمكانهم دعوة الأحزاب السياسية لمشاركتهم وحضور التجربة ومشاهدتها عن قرب، وأضاف أن المؤتمر السوداني لا زال يعاني من حيث الخط الفكري لأنه يعيش على عقلية الطلاب ولم يستوعب كافة قضايا البلاد، واستدرك بأنه رغم ذلك تجربتهم تستحق الاحترام.
وقال إن “إبراهيم الشيخ” آثر الانتقال السلس وهو في قمة عطائه لا سيما أن حزب المؤتمر السوداني كان صديقاً للمؤتمر الشعبي في وقت سابق، وسنحاول تجديد الثقة في العلاقة القديمة مع القيادة الجديدة في المستقبل القريب، وحول إمكانية تطبيق تجربة النقل السلس للقيادة في المؤتمر الشعبي قال “كمال عمر” هنالك فرق كبير بين المؤتمر الشعبي والسوداني، وتابع أن المؤتمر الشعبي حزب كبير وإذا أراد قيام مؤتمره العام يجب عليه إقامة المؤتمرات في الولايات، وزاد البون شاسع بين “إبراهيم الشيخ” والدكتور “حسن عبد الله الترابي” الذي إذا ترشح في ثلاثة دورات قادمات لن يستطيع أحد منافسته، لأنه شخصية يحتاج إليها المؤتمر الشعبي والعالم الإسلامي.
ولكن الرئيس الجديد المنتخب المهندس “عمر الدقير” رئيس المؤتمر السوداني هل يسير على نهج سابقه ويسبح في فلك أحزاب نداء السودان التي تسعى لاقتلاع النظام، أم يكون له رأي وطريق جديد وهذا ما تثبته الأيام المقبلة.
المجهر السياسي