تضم تراثا تاريخيا وثقافيا وطبيعيا: خبراء ومختصون يحدّدون مواقع سياحية سودانية لضمها لقائمة التراث العالمي

يتميز السودان بإمكانيات كبيرة في مجال السياحة، لكن لا يستفاد منها لأسباب عديدة، ورغم التقدم الذي حدث في إيرادات السياحة خلال العامين السابقين، فإنّ الكثير من الخبراء يرون إمكانية مضاعفة هذه الأرقام.

فقد شهدت السياحة السودانية تطورا في الأعوام الماضية، ففي عام 2014 حققت أكثر من 855 مليون دولار بنسبة زيادة بلغت 19.3٪ عن العام 2013 فيما بلغ عدد السياح للعام ذاته نحو 683.618 سائح بنسبة زيادة بلغت 19.1٪ عن العام السابق وارتفعت إيرادات السياحة في 2015 إلى 930 مليون دولار وبلغ عدد السائحين 700 ألف ويتوقع أن ترتفع نسبة إيرادات السياحة بمقدار 7٪ خلال هذا العام.

ولتحقيق السودان أقصى فائدة ممكنة من السياحة، عكفت مجموعة من الخبراء على تحديد المواقع السياحية التي يمكن ضمها لقائمة التراث العالمي ليتوفر لها ـ بذلك ـ الدعم والحماية الكافية، وتشارك في هذا العمل وزارة السياحة، اليونسكو (الوطنية والعالمية) والهيئة القومية للآثار ومختصون في هذا المجال.

الدكتور عبد الرحمن علي المدير العام للهيئة القومية للآثار في السودان، عدّد فوائد الإنضمام لقائمة التراث العالمي والمتمثلة في ضمان الدعم الفني، والخبرة والمساعدة في كيفية إدارة المواقع بصفة مستدامة، أما المكسب الأكبر فهو التعريف بالحضارة السودانية.

مواقع أثرية

ويقول إنّ المواقع المقترحة للإنضمام لقائمة التراث العالمي كثيرة، ولكن هنالك مناطق يسهل تطابقها مع المعايير المطلوبة وتحتاج فقط لبعض الجهود، ومنها موقع «كرمة» وهي أول دولة سودانية مستقلة وتضم مناطق الدفوفة (الشرقية والغربية). ويضيف أنّ هذا الموقع يتميز بخصائص عديدة، حيث يمثل حضارات بها أصالة ولا شبيه لها، وبه معبد وقصر يضم 1500 عمود من الطين، وتعمل فيه بعثة أثرية تقوم بالترميم منذ أكثر من 50عاما، ويقع على بعد45 كيلومترا شمال دنقلا وفيه متحف موقعي يدار بصورة جيدة.

ومن المواقع التي يرى مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف أنها جديرة بالإنضمام لقائمة التراث العالمي، الآثار الفرعونية الموجودة في السودان، وهي تثبت أن المصريين دخلوا حتى الشلال الثالث وتفاعلوا مع النوبيين وتركوا معالم بارزة منها معبد سوليب.

وهنالك خمسة مواقع ذات جذب سياحي فريد ومميز منها معابد صادينقا وسيسيب وتمبس وتضم تماثيل نادرة وتكمن أهميتها في أنها تمثل الحدود الجنوبية للمملكة الفرعونية وهي نماذج لحضارات انقرضت.

ومن المواقع المهمة التي يشير إليها الدكتور عبد الرحمن علي، ثلاث ممالك مسيحية هي المقرة وعاصمتها دنقلا العجوز وفيها القصر الإداري الذي تحول إلى مسجد وتوجد فيها كنائس وقباب وتعمل في هذا الموقع بعثة هولندية منذ 40عاما.

والمملكة الثانية هي نوباطيا وعاصمتها فرص، وآثارها موجودة في المتحف القومي وهنالك موقع اكتشف حديثا بابقانارتي واشتغل فيه البولنديون وفيه أكثر من ثلاث كنائس تحوي لوحات جدارية لا توجد إلا في سوريا ورومانيا ولوحات عن المسيح والحواريين كما تخيلها سكان تلك الفترة.

وهنالك موقع جبل العوينات ويتميز بوجود رسومات صخرية تمتد من عشرة آلاف سنة حتى العصر الحديث، مثّلت تسجيلا للحياة التي كانت سائدة والتفاعل مع البيئة والتعبير عنها (مشاهد للصيد وأنواع من الأبقار منقرضة) وحسب الدكتور عبد الرحمن فإن هذا الموقع يتميّز بأربعة خصائص تجعله ضمن التراث العالمي.

موقع (وادي هور )8000 سنة قبل الميلاد، من المواقع التي اقترحها الخبراء لتضم إلى قائمة التراث العالمي وقد كان فرعا رئيسيا لنهر النيل قبل تسعة آلاف عام ، وفيه آثار تشير إلى وجود حياة بريّة في ذلك التاريخ، وأنه كان ضمن حزام السافانا الغنية، لكنه إنتهى إلى بيئة صحراوية أو شبه صحراوية منذ 600 ألف سنة تقريبا (قبل الميلاد) وهذا يعني أن حزام السافانا تحوّل بنحو 600 كيلو متر من هذا الموقع.

ويقول الدكتور عبد الرحمن إنّ هذا الموقع كان يمثّل واحدا من روابط التواصل بين السودان وأفريقيا في جنوب الصحراء وفيه قلعة أبو حمد المحصّنة وهي من الآثار الكوشية التي كانت تنظم التجارة بين أفريقيا ومصر، ويضم الموقع بقايا أثرية من القرن الثامن قبل الميلاد ويمثّل هذا الموقع تكاملا بين الحياة البريّة والتراث الثقافي.

ويضاف إلى تلك المواقع، موقع الخندق، وهو تراث إسلامي من المملكة المصرية الحديثة التي تعود إلى ألف سنة قبل الميلاد ويمثل مدينة من القرن الثالث عشر وميناء على النيل، وفيه نماذج من العمارة الطينية مرتبطة بمملكة الفونج 1504وهي أول دولة إسلامية تزامنت مع سقوط الأندلس، وتتميز هذه المواقع ـ بحسب الخبراء ـ بخصائص تمكنها من الإدراج في سجل التراث العالمي.

ويقول المدير العام لهيئة المتاحف والآثار، إنّ هنالك قائمة سابقة أعدّت لتقدم بوصفها آثارا عالمية ومنها جزيرة سواكن التي تحتاج إلى إعادة ترميم وإحياء للثقافات التي كانت موجودة فيها وتواجهها مشكلة (الملكية) التي يجب أن تحسم لأن المنطقة تتكون من الحجر المرجاني وهو سريع التعرّي.
التراث الطبيعي

إضافة لتلك المواقع الأثرية، توجد العديد من مواقع التراث الطبيعي التي يرى الخبراء السودانيون أنها جديرة بالإنضمام لقائمة التراث العالمي، ومن بينها محمية جبل الحسانية وهي محمية طبيعية في ولاية نهر النيل وتوجد فيها أنواع شبه منقرضة من الحياة البرية وتتميز بالأصالة.

وهنالك حظيرة الدندر التي تمتد في مناطق بين السودان وأريتريا وإثيوبيا وتضم أنواعا مختلفة من الحياة البريّة، وفيها أكبر غابة في المنطقة تساهم ـ بجانب فوائدها الأخرى ـ في تحسين المناخ.

وفي شمال كردفان، توجد محمية جبل الداير التي تضم أنواعا متميزة من الحياة البريّة، تشكل تكاملا بيئيا متفردا، وتعدُّ لان تصبح منطقة سياحية في المستقبل.
وتعتبر سلسلة جبل مرة في وسط وجنوب دارفور، من المناطق المدهشة، حيث يصل إرتفاعها لألف قدم فوق سطح البحر، وتتميز بمناخات متعدّدة، وبحيرات بركانية وآثار من العصر الحجري القديم ، لكنها تأثرت بالنزاعات المسلحة وأصبحت غير آمنة.

مناطق جديدة

الخبير في مجال السياحة، حسن حسين، طالب بالتوسّع في القائمة التمهيدية المقترحة، بحيث تغطّي كل مناطق السودان، مؤكدا وجود خبراء يعرفون المطلوب منهم من حيث الفصل بين المواقع وإعداد الملفات والمعلومات بشكل علمي.
واقترح إضافة العديد من المناطق مثل قصور السلاطين في الفاشر، وجبال توتيل في كسلا، مع ربط سواكن بساحل البحر الأحمر. وأضاف أن الملكية تعد من أكبر المشاكل في هذا الملف ودعا لإشراك السكان المحليين في أي عمل سياحي في مناطقهم.
ويقول المهندس نور الدين حمد، رئيس لجنة التراث في الاتحاد الافريقي للمعماريين، إنّ أهم متطلبات نجاح المواقع السياحية أن تكون سهلة الوصول وأن تتوفر لها إدارة جيدة، وأضاف أن تفاعل المواطنين مع موضوع السياحة مهم وضروري، مشيرا لضرورة ترسيخ الوعي في المناهج الدراسية ، وطباعة (كتيبات) توضح أهم المعالم السياحية في السودان وتنظيم مهرجانات التراث.
وقال نور الدين إنّ سواكن محمية بقانون الآثار ورصدت لها ميزانية تصل لخمسة مليون دولار من أجل ترميم المباني التاريخية ، إضافة لوعد من حكومة إمارة الشارقة بتقديم الدعم في هذا الاتجاه.

تصميم خريطة للآثار

وتعهّد الصادق سليمان حميد، المدير التنفيذي لهيئة المساحة السودانية ، بتصميم خريطة للآثار ووضعها في الخريطة الأساسية للدولة، وربط هذا الأمر بتحديد هذه المواقع من قبل الجهات المختصة، وطالب بضرورة إجبار الحكومة على الإهتمام بمناطق الآثار وتوفير الخدمات الإساسية فيها، والترويج للسياحة بشكل جيد ، إبتداءً من مطار الخرطوم وبوابات السودان الأخرى.
واقترح الدكتور صديق بابكر أحمد ، عضو قطاع الثقافة في اليونسكو، إضافة أمدرمان القديمة للمواقع المقترحة لأنها تضم معظم آثار الثورة المهدية، مؤكدا أن جامع الخليفة حدث له تشويه ، حيث تم تجديد حوائطه بالطوب بعد ان كانت مشيّدة بالحجر.
وقال إنّ ميدان الخليفة هو في الإصل جامع عبد القادر الكردفاني وكان مغطّى بالقش ويحتوي على 70 ألف «فروة» وهي نوع من المصالي مصنوع من جلود الحيوانات، وأكد مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف أن أمدرمان القديمة ومقرن النيلين تم تضمينهما في الخريطة القديمة المعدة للتراث العالمي.

الخندق والصحابة

ويرى موسى محمد عبد الله إن المواقع التي تصلح لأن تضم للتراث العالمي كثيرة، ويقول إن معظم المواقع التي اقترحت، توجد بالقرب منها مناطق تحمل السمات نفسها، وعلى سبيل المثال، في موقع سيسيبا توجد قلعة اسبانية كبيرة جدا وكن تم رصد المعبد فقط ، وأضاف أن القلاع التاريخية منتشرة على النيل حتى الخندق، وفي المواقع المسيحية التي تم رصدها، هنالك موقع الصحابة في الضفة الأخرى للنيل.
ويضيف أن جنوب ووادي هور توجد به عدّة مواقع منها أبوسفيان وأخرى ترجع للفترة المروية، وهنالك سنكور في غرب كردفان وهي مدينة ملكية موازية للفترة المروية واستخدم فيها الطوب.
وطالب بضرورة تسجيل المباني الأثرية الموجودة في الخرطوم، مثل وزارة المالية والقصر الجمهوري، ومبنى البريد والبرق مشيرا إلى أنها تعرضت لتغييرات (حديثة)..!
ويقول الدكتور عبد المنعم أحمد عبد الله ، مدير معهد الدراسات المروية بجامعة شندي، إن الوضع الآن يحتاج لتنسيق محكم بين كل الجهات ذات الصلة وذلك حتى يتم إنشاء هيئة متكاملة تعنى بالتراث والآثار.
وقال إن اختبارات تسجيل آثار جزيرة مروي واجهت مصاعب عديدة، مؤكدا أن النجاح في هذا الملف يتطلب تنسيقا محكما وإيمانا كبيرا بأهمية هذا العمل.

مهددات السياحة

ويطالب شوقي ضو البيت، الذي يعمل في إدارة السياحة في ولاية الخرطوم، بالإسراع في تسجيل المواقع الأثرية لدى وزارة التخطيط العمراني، لأن التمدد السكني والعمراني، يشكل تهديدا للكثير من المواقع الأثرية، ويطالب ـ أيضا ـ بحماية الآثار من المهددات البشرية بسن التشريعات القومية حتى لا تضيع.

أحمد محمد تاجر، عضو لجنة في البرلمان السوداني تعنى بالسياحة قال إن البرلمان أبدى اهتماما واضحا بأمر السياحة في هذا العام ، وجعل لها وضعا مقدرا في الميزانية ، بوصفها تمثل موردا مهما للعملات الصعبة. وأضاف أن لجنتهم زارت العديد من المواقع السياحية وفشلت في الوصول لبعض المناطق ، لوعورة الطرق وافتقاد بعض هذه الأماكن للأمن ، خاصة تلك التي تسيطر عليها الحركة الشعبية (المسلحة) وضرب مثالا لتلك المناطق بـ(كاودا) في جنوب كردفان وهي المقر الرئيسي لحاملي السلاح.

وطالب حامد سبيل، عضو لجنة الثقافة والإعلام والتربية والسياحة في البرلمان، بوضع خريطة للآثار الوطنية، مؤكدا ضرورة التنسيق في خطط الوزارات المختلفة والتي تلتقي في العمل السياحي.

ويقول مدير الهيئة العامة للآثار، إنّ السودان يجيء في المرتبة السابعة ضمن عشر دول في العالم غنية وواعدة في مجال السياحة. ويشير إلى جملة أشياء اتفق عليها الخبراء في هذا المجال للإرتقاء والنهضة، في مقدمتها رفع الوعي بهذا القطاع ليشمل كل فئات الشعب السوداني، التأكيد على قومية الآثار، وتكوين جسم موحد للتراث الوطني والطبيعي والثقافي.

ويرى أنّ العمل يسير بشكل جيد في اتجاه تحديد القائمة الوطنية لمواقع التراث واعتمادها من قبل رئاسة الجمهورية ليتم بعد ذلك إعداد القائمة المقترحة كتراث عالمي، وأكّد أنّ عدم التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة يشكّل مهددا أساسيا للتراث السوداني.

وقال إنّ الخبراء أوصوا بضرورة إدراج مواقع التراث الثقافي والطبيعي في أطلس أو خريطة توزّع في كل أنحاء العالم عبر السفارات السودانية، وأضاف أن كل هذا المجهود يتطلّب أن تتبنى أجهزة الإعلام قضايا التراث بشكل أعمق.

صلاح الدين مصطفى
القدس العربي

Exit mobile version