تصريح وزير الخارجية في رده على مداخلة في ندوة حول العلاقات السودانية الأمريكية بأن الحكومة ستدرس مقترح التطبيع مع إسرائيل .
هذا التصريح كان يحتاج لجملة توضيحية إضافية قد تمنع الالتباس، وتميز بين فكرة الإقرار بالتطبيع وبين إمكانية مناقشة مقترحات بالتطبيع مع إسرائيل.. فإمكانية دارسة مقترح التطبيع مع إسرائيل في ظل دعوات تم إطلاقها وتقديمها في جلسات الحوار الوطني هو موقف طبيعي فكل شيء في السياسة والعلاقات الخارجية يمكن أن يقبل مناقشته .
هذا التنبيه ندفع به مع أحسن درجات حسن الظن بتصريحات غندور بأنها نبعت من منطلقات مرتبطة بمبدأ ومفهوم الحوار ومناخه السائد الآن، أما لو كانت الدولة تحاول فعلاً أن تطلق مثل هذه التصريحات من باب المناورة وجس النبض والنوايا المبطنة بإمكانية اتخاذ مثل هذه التوجهات فإن تلك تعتبر كارثة كبيرة وردة خطيرة تطعن في الهيبة الأخلاقية ليس للنظام الحاكم فقط بل الهيبة الأخلاقية للدولة السودانية بشكل عام، خاصة حين يتم اتخاذ مثل هذه التوجهات بأي مستوى من المستويات نزولا ًإلى رغبات أو شروط إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية .
ففي هذه الحالة تكون الإنقاذ (بسلامتها) قد انبطحت انبطاحة فاضحة وغير مقبولة إطلاقاً وبددت كل ما تملك من رصيد تأييد ومناصرة داخلية كانت تحظى بها مع إفراغ احترامها الخارجي حتى عند إسرائيل نفسها .
ومن قبل كتبنا هنا وأحصينا عدد الدول التي تقاطع إسرائيل بشكل معلن وتحتفظ في نفس الوقت بعلاقات كبيرة ومهمة مع أمريكا ودول الغرب بحرص كامل من أمريكا والأطراف الغربية على هذه العلاقات وليس العكس .
ليس مقبولاً من السودان مثل هذا الموقف – لا قدر الله – في الوقت الذي بدأت فيه توجهات مقاطعة إسرائيل تحظى بتعاطف حتى من الاتحاد الأوروبي وتتسع داخل أوروبا وأمريكا نفسها بعد قرار أوروبا بوسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية في خطوة تفعيل وتحريض على المقاطعة الأوروبية ضد البضائع الإسرائيلية .
بل في أمريكا نفسها لم تجد عريضة التنديد بهذا القرار الأوروبي العام الماضي ما يكفي من توقيعات لاعتمادها حيث وقع عليها 26 سيناتورا فقط بينما رفض 74 سيناتورا أمريكيا التوقيع عليها تضامناً مع عدم اعتراف أوروبا بالمستوطنات الإسرائيلية .
كيف نتخيل أن السودان يمكن أن يتخلى عن موقفه بمقاطعة إسرائيل أو يقوم بالتطبيع معها بأي درجة من الدرجات تزلفاً لأمريكا ونحن الذين ظللنا نتنافخ شرفاً بتأريخنا وظل عدم اعترافنا بإسرائيل يمثل جزءًا من تربيتنا وشموخ أنفسنا وعزتها ووعيها بمعنى المواقف .
من حقكم بل واجبكم أن تدرسوا كل المقترحات المطروحة حول المواقف السياسية للسودان لكن حذار من ارتكاب مثل هذه الحماقة.. كما أن العلاقات مع أمريكا لا تشترط علاقات مع إسرائيل إلا في حالة شعور أمريكا بأن السودان مستعد لتقديم مثل هذه التنازلات ثمناً لعلاقاته معها..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.