كيف ماتت طالبة كلية العلوم، الفتاة الجميلة، سماء ناشر النعم؟ سؤال تحاول الإجابة عنه رواية (بلاد بلا سماء)، للروائي اليمني وجدي الأهدل، وهي عمل سردي محتشد بالرموز والتفاصيل الدلالية التي تحتاج إلى قدر كبير من التبصر والتأمل حتى يصل قارئها إلى معانيها المخاتلة. وأول مدخل تنويري لهذا العمل (السيميائي) الكبير بلا شك هو هذا العنوان متشابك الدلالات، لا سيما حين يتضح بعد تصفح الرواية أن سماء هو اسم البطلة القتيلة – الضحية، وأن البلاد بلا شك هي ذلك الامتداد العميق للتاريخ والجغرافيا اليمنيين، بكل الأبعاد الاجتماعية والدينية والسياسية. كم هائل من (العلامات) يواجه قارئ هذه الرواية، بداية من أسماء الشخصيات وليس انتهاء بـ غموض الغياب الذي تذهب فيه بلا رجعة الفتاة الجميلة سماء.
تسرد الرواية حكاية البنت سماء، التي خرجت ذات يوم باتجاه الجامعة ولم تعد بعد ذلك. هذا الاختفاء الغامض والمربك بكل ملابساته وتفاصيله ترويه عدة شخصيات لها علاقة بالبنت الغائبة، كل صوت من هذه الشخصيات يروي فصلا من الرواية (6 فصول)، ويوضح وجهة نظره في وقائع الاختفاء الغامض. سماء نفسها تبتدر الرواية بفصل تقدم خلاله ملمحا عاما عن حياتها، إحساسها بالناس والأشياء، معاناتها كأنثى، وموقفها من العالم. امرأة أخرى تروي ضمن هذه الفصول؛ هي أم سماء، المرأة المفجوعة بأثر الفقد، بصوتها تختتم الرواية منفتحة على مذكرات البنت الغائبة – كأنما تفتتح الرواية بصوت سماء وتختتم بذات الصوت – بقية الرواة جميعهم رجال يتحركون من موقع السلطة سواء أكانت رمزية (ذكورية) أو رسمية (بوليس، زعامة قبيلة، وأستاذية أكاديمية).
في هذا الحكي المتوتر – المشوق بامتياز؛ الموزع بين شهود الموت والحياة، نتعرف على سماء ناشر النعم، على الأنثى المشتهاة من الرجال في مجتمع ذكوري قامع ومقموع، نقرأ تواريخ اليمن المواربة بدياناتها القديمة وسموقها الحضاري وتغييبها الآني المتعمد، نتعرف على هذا الخلل المجتمعي الذي يحرك مفاصل الحياة ويجعلها رهينة تصورات أبوية (قبلية) تطارد الإنسان أينما حل وإن كان موقعه وسط أكاديمي يفترض فيه الاستنارة والتثوير؛ نقبض على لحظات الشبق والحرمان في مقابل أوهام الشرف والعار؛ التي تغسل بالدم والنار وتتواطأ مع خناق السحر وحضور الجن وسيادة الخرافة.
تنتهي الرواية بشكل فنتازي، حيث تكشف سماء – متفقة مع روي الرواة – في مذكراتها أن كائنا لا ينتمي إلى هذا العالم هو من أخذها معه إلى عالم سحري مخبأ بين دفتي كتاب لم يُكتب بعد لا يزال ورقه أبيض بانتظار التسويد بحروف الكتابة!
ربما هو كتاب المستقبل، ذاك الذي ذهبت إليه هذه البنت الجميلة، وتركت البلاد بلا سماء!