تحرش كولونيا أجج نار الخوف من الإسلام.. تعرف على ما يجري في أوروبا بحق اللاجئين

موجة قلق شعبي وحكومي متنامية تعصف بالقارة العجوز بعد جرائم التحرش الجنسي في كولونيا بألمانيا، والتي ارتكبها سُكارى قيل إنهم عرب مهاجرون بحق نسوة ألمانيات في احتفالات رأس السنة، ورغم أنها -إن صح الاتهام- مجرد فئة معدودة على الأصابع من بين أكثر من مليون لاجئ دخلوا أوروبا في 2015.

المشهد الأوروبي الخميس 14 يناير/كانون الثاني 2016، يبدي كثيرا من المخاوف، ففي فنلندا البلد القريب من القطب الجنوبي تجوب ميلشيات طرقات البلدات التي تضم لاجئين بهدف حماية النساء الفنلنديات؛ وفي لايبزيغ بألمانيا حيث العدد الأكبر من اللاجئين، عاثت حشود يمينية متطرفة في شوارع المدينة وأبنيتها في مظاهرة ضد الإسلام الاثنين الماضي؛ وفي إيطاليا سنّت إدارة محلية معادية للاجئين والهجرة قانوناً الثلاثاء يعيق بناء مساجد لمهاجري المسلمين في تلك الأنحاء.

مراقبون كثر أشاروا إلى أن اعتداء كولونيا بات ذريعة اليمين المتطرف ومنتقدي سياسة استقبال اللجوء لوصم جميع المهاجرين بـ”المجرمين” و”الأوغاد” بالرغم من أن أكثر المهاجرين سوريون مسالمون فروا من فوضى الحرب وويلاتها رغبةً في العيش في كنف دولة قانون وعدالة. لكن الإعلام يزيد من التحريض لنشره أخباراً متضاربة.

 

النبض الأوروبي مرتفع

صحيفة نيويورك تايمز الأميركية جست النبض الأوروبي في مقال نشرته بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2016، حيث جاء فيه أن عدوى الفزع من اللاجئين انتشرت عبر القارة العجوز رغم أن مقترفي الجرم لا يشكلون جزءاً يذكر من مليون لاجئ بها، غير أن بلاغات عن جرائم تحرش مماثلة رُصِدت في مدن ألمانية أخرى وفي فنلندا والنمسا رسخت المخاوف أكثر.

ورغم أن تفاصيل جميع البلاغات ظاهرية تعتمد ملامح شكلية تعميمية إلا أنها مست وتراً حساساً في الهوية الأوروبية حيث طفت رواسبها الكامنة إلى السطح من رفضٍ للمسلمين ولدمجهم إلى الخوف على أمن البلدان وحدودها، إلى عدوانية وعنصرية اليمين المتطرف إزاء “الغرباء ذوي البشرة الداكنة.”
الأزمة في الخوف من الإسلام.

ألكساندر بيتس مدير مركز دراسات اللجوء والهجرة بجامعة أكسفورد قال لنيويورك تايمز إن الأحداث الأخيرة كشفت أصل المشكلة التي تعامى عنها الجميع خوفاً من الاعتراف بوجودها، ألا وهي أن الخوفَ كلّ الخوفِ من الإسلام نفسه.

وشرح أن إخفاق معظم رجال السياسة الوسطيين في معالجة تلك المخاوف الشعبية الخفية وفشلهم كذلك في رسم خطة واضحة المعالم لحل أزمة اللاجئين ودمجهم تدريجياً، كلها أفضت إلى فراغٍ سارع لملئه وتعبئته وشحنه اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين.

كما حذر بيتس أنه ما لم يتقدم السياسيون بخطة مفصلة مقنعة لحل أزمة المهجّرين تأخذ في الحسبان مخاوف المواطنين الأمنية والدينية –خاصة بعد هجمات باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وبعد جريمة جنسية الطابع بأيدي رجال يظهر أنهم عرب ومسلمون- فإن الدعم الشعبي لقضية اللاجئين وتضامنهم وتعاطفهم سيتبخر ويتلاشى.

 

تضييق أمام اللاجئين

أوروبا منقسمة على نفسها، الواجب الأخلاقي والناحية الإنسانية دفعا بالكثير من الأوروبيين وعلى رأسهم المستشارة الألمانية ميركل إلى الترحيب باللاجئين وارتجال أنصاف حلول، لكن الجو السائد والرأي العام هذه الأيام يتحركان في الاتجاه المعاكس، فجميع وسائل الإعلام الأوروبية تناقلت أخباراً عن تشديدات أمنية جديدة وتضييق أمام اللاجئين.

واعتباراً من بداية يناير/كانون الثاني 2016، شددت ألمانيا إجراءات تفتيش اللاجئين الآتين من النمسا، ودول أوروبية ما عادت تعبأ بسياسة الحدود الداخلية الأوروبية المفتوحة فشيدت حواجز ووضعت أسلاك شائكة لتغيير مسار العابرين، أما الدنمارك فبدأت بمصادرة ممتلكات اللاجئين القيمة لتخفض تكلفة إيوائهم.

بالفعل هناك استياء عام من إخفاق ميركل في التوصل لخطة واضحة لدمج الملايين الذي وفدوا أفواجاً من بيئات جغرافية وديموغرافية وإيديولوجية مختلفة ليسكنوا بين ظهراني الأوروبيين فجأة.

مجلة “دير شبيغل” الألمانية الأسبوعية تساءلت إن كان “فشل الشرطة في وقف اعتداءات كولونيا علامة فشل الدولة ككل في وجه الفوضى والجريمة.”

 

فرصة اليمين الأوروبي

 

أما اليمين فانتهز الفرصة وانتعشت شعبيته في ألمانيا وفرنسا وغيرهما وفق الاستطلاعات.

ففي النمسا مثلاً دعا الأمين العام لحزب الحرية اليميني هربرت كيكل إلى تجميد كل طلبات اللجوء الحالية بينما دعا أعضاء آخرون إلى إغلاق جميع حدود النمسا بعيد ما جرى في كولونيا.

كثيرون من مواطني النمسا مدركون للأجندة التي ينفذها اليمين ويبدون قلقاً منها غير أنهم كذلك متفقون أن موجة ذعر اجتاحت البلاد بسبب اللاجئين حتى لو أن النمسا لم تشهد الكثير من العنف فيها.

لكن بيتر هاكر منسق شؤون اللاجئين في فيينا أشار إلى أن النمسا حتى الآن تكتفي بتدابيرها الأمنية القائمة على انتشار كثيف مرئي للشرطة في أماكن وجود اللاجئين متل محطات القطار.

وأضاف: “موقفنا السياسي هنا في فيينا واضح تجاه اللاجئين والمهاجرين، لطالما تفهمنا على مدى عقود أن المهاجرين يحتاجون للمساعدة”.

في فنلندا مثلاً ذكر بيان أصدرته إدارة الشرطة في العاصمة هلسنكي بتاريخ 7 يناير/كانون الثاني أن الشرطة أحبطت محاولة لاجئ عراقي اغتصاب امرأة ليلة رأس السنة وسط دهشة الفنلنديين، لكن شهود عيان ومسؤولاً في المكتب الوطني للتحقيق نفوا لاحقاً أن ما حصل كان يشبه اعتداءات كولونيا بأي شكل قطعاً.

 

لم يخمد نار الخوف

 

هذا التضارب في الأخبار بين تأكيد وتكذيب لم يخمد نار الخوف، بل دفعت ميليشيات فنلندية يمينية مسلحة تطلق على نفسها “جيوش أودين” لتجوب الطرقات في دوريات لحراسة النساء.

الأمر الذي أثار جدلاً سياسياً في البلاد باتهام المعارضة اليسارية للحكومة اليمينية بأنها تسوغ هذه الميليشيات ولا تدينها، خاصة بعد تصريح لوزير العدل ياري ليندستروم فجّر الجدل حينما قال فيه إن الدوريات لا تهمه.

كانت 2015 سنة ثقيلة على أوروبا حملت لها أزمة اللاجئين وأزمة الديون اليونانية وهجمات باريس، لكن قضية اللاجئين كانت الأمر والأدهى بعدما أوغرت صدور أمم أوروبا على بعضها البعض وكشفت نقاط ضعف هيكل الاتحاد الأوروبي ومسألة الأمن الداخلي والخارجي. محللون كثر يعتقدون بأن كولونيا ضاعفت الضغوط من أجل إصلاح نظام الاتحاد الأوروبي الذي بات بالياً.

وختم مدير كلية إدارة الدولة بجامعة لويس غيدو كارلي في روما، سيرجيو فابريني، قائلاً: “الطريقة الوحيدة لمعالجة القضية هي من خلال الاتحاد الأوروبي، بيد أنه من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لا يملك الأدوات المؤسساتية ولا الإرادة السياسية لمعالجتها”.

 

 

هافينغتون بوست

Exit mobile version