مرتديا ابتسامة عريضة يصعب تبريرها، دخل الرئيس الامريكي باراك اوباما الى قاعة الكونغرس مساء الثلاثاء لالقاء خطاب «حالة الاتحاد» السنوي للمرة الاخيرة. لم يكن ممكنا ان يكون المشهد اكثر تزييفا وفجاجة. رئيس يلقى استقبال الفاتحين بالتصفيق والعناق والقبلات، بعد ان فشل في تحقيق الاغلبية الساحقة من تعهداته سواء داخليا او خارجيا، بل وعرفت امريكا في عهده انسحابا دوليا وتراجعا استراتيجيا جعلها موضع سخرية احيانا، وهو ما اغرى بها بعض اعدائها وحلفائها ايضا. نعم لقد كان اغلب العرب والمسلمين يكرهون الولايات المتحدة عندما دخل اوباما البيت الابيض قبل سبعة اعوام، وذلك بسبب الجرائم المروعة التي ارتكبها سلفه جورج دبليو بوش، لكنهم كانوا يهابونها ايضا. اما اليوم فان كراهيتهم لامريكا لم تتراجع على اي مستوى، الا انهم اصبحوا اكثر ازدراء لها بعد ان ضعف نفوذها وفشلت في صياغة اي استراتيجية حقيقية بينما كانت تنسحب من المنطقة التي طالما كانت حديقتها الخلفية، ومجالا حيويا لمصالحها، ومعطى رئيسيا في تكوينها كقوة عظمى.
وباستثناء نجاحه المهم في التوصل الى الاتفاق النووي مع ايران، يترك اوباما شرقا اوسط متفجرا بالحروب والصراعات التي لا تملك الولايات المتحدة تأثيرا يذكر سواء في اندلاعها، او استمراراها او مآلاتها.
لم يعتذر اوباما عن فشله المخزي في تحقيق كافة تعهداته في خطابه التاريخي في جامعة القاهرة في العام 2009، ومنها تحقيق مصالحة بين الولايات المتحدة والاسلام والمسلمين، والتوصل الى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، واعتماد مقاربة مختلفة لمحاربة الارهاب (الذي خلقته ادارة سلفه في العراق).
اما حديثه عن تنظيم «الدولة» الارهابي فجاء صادما الى حد السخرية في سطحيته، إذ قال «ان جموعا من المقاتلين المتمركزين فوق شاحنات صغيرة واشخاصا نفوسهم معذبة يتآمرون في شقق أو مرائب سيارات، يشكلون خطرا هائلا على المدنيين وعلينا وقفهم. ولكنهم لا يشكلون خطرا وجوديا على امتنا».
وتتفق هذه «الاريحية» في الحديث عن خطر ارهاب ضرب دولا عظمى في قلب اوروبا، ويكاد يمحو دولا اخرى عن الخارطة في اجزاء اخرى من العالم، مع الاتهامات التي طالما لاحقت ادارة اوباما بالافتقار الى الجدية الكافية ـ على اقل تقدير ـ في مواجهة تنظيم «الدولة» سواء في العراق او سوريا.
لكنه تجاهل هذا كله، بل لم يتورع عن التباهي قائلا: (اذا كنتم تشكون في التزام امريكا ـ او التزامي ـ احقاق العدل، فاسألوا اسامة بن لادن الذي قتل في عملية امريكية في باكستان في ايار/مايو 2011).
ولو انه اختار اي تعبير غير (احقاق العدل) لربما كان خطابه اقل اثارة للسخرية والمراوغة في آن. اذ يصعب على المراقب ان يجد اثرا لتلك العدالة في فلسطين على سبيل المثال، حيث ضاعفت اسرائيل جرائمها ضد الانسانية ومعدلات الاستيطان والحروب والاعتداءات مرات عديدة خلال عهده. ولم يكن رده عليها سوى مكافأة عظمى هي اطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد الذي عرض الامن القومي الامريكي لخطر هائل ومريع حسب اجماع الاجهزة الاستخباراتية الامريكية.
ولم تقتصر خيانة اوباما على خلف وعوده وتعهداته، بل انه خذل ايضا لونه واصوله وقيمه الديمقراطية والانسانية المزعومة، باعتباره ابنا لاحد المهاجرين الافارقة، فتحت له امريكا ذراعيها وجعلت ابنه رئيسا. فقد اعلنت السلطات الامريكية الاسبوع الماضي انها اوقفت 121 بالغا وطفلا من طالبي اللجوء في وضع غير نظامي ، وصدرت اوامر بطردهم.
وقالت هيلاري كلينتون في بيان نادر انتقد اوباما مباشرة «لدينا قوانين ويجب ان نتقيد بها، لكن يجب الا نرسل ضباطا فدراليين مسلحين الى منازل الناس ونجر النساء والاطفال من اسرتهم في منتصف الليل».
وفي الكونغرس وقع 146 نائبا ديمقراطيا (ثلاثة ارباع اعضاء الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب)، على رسالة تدعو اوباما الى وقف هذه العمليات فورا والتأكد من ان اي مبعد لا يواجه خطر ملاحقته في بلده. وقال لويس غوتيريز القريب عادة من اوباما «انهم طالبو لجوء وقدومهم الى الولايات المتحدة ليطلبوا اللجوء مشروع».
سيذهب اوباما، بل انه ذهب فعلا في التاريخ، كرئيس ضعيف فاشل خيب آمال شعبه والعالم، محفوفا بلعنات مظلومين ومهمشين علقوا عليه آمالهم قبل سبع سنوات، ثم رفض ان يعتذر اليهم، او يخجل من تسببه في تفاقم معاناتهم.
رأي القدس