طريقة اتخاذ القرار بطرد السفير الإيراني لم تكن مناسبة
لا غرابة في أن تعرف “الخارجية” بالقرار لاحقاً لأن الدبلوماسية في النظام الرئاسي يقودها الرئيس
طرد السفير الإيراني أعطى انطباعاً بأن القرار نابع من شخص واحد وليس من المؤسسات
لم تكن هناك ضرورة لإخطار السعودية بقرار طرد السفير الإيراني
“الشيوعي لا يملك ألف عضو ومع ذلك عامل زوبعة” قدر الدنيا
الأحزاب العلمانية خارج الرؤية الإسلامية الكلية وبعضها لا قيمة له مثل حزب المؤتمر السوداني
المؤتمر السوداني مجموعة أفراد تجمعوا ثم بحثوا لاحقاً عن آيدلوجية ترضي الغربيين
عاب القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور “أمين حسن عمر”، على رئاسة الجمهورية، عدم التريث في اتخاذ قرار طرد السفير الإيراني من الخرطوم، مؤكداً أن طريقة اتخاذ قرار طرد السفير لم تكن مناسبة، وقال إنها أعطت انطباعاً بأن القرار نابع من شخص واحد وليس من المؤسسات.
وأكد أمين في حواره مع (الصيحة) أن قرار طرد السفير الإيراني من حق الرئيس، بيد أنه عاد وقال: “كان ينبغي أن يتريث قليلاً حتى تلتئم المؤسسات”، مشدداً على أنه لا توجد ضرورة لإخطار السعودية بقرار طرد السفير الإيراني من الخرطوم. ورفض القول بأن وزارة الخارجية لم تكن ضمن دائرة اتخاذ القرار، وأردف قائلاً: لا غرابة في أن تعرف “الخارجية” بالقرار لاحقاً لأن الدبلوماسية في النظام الرئاسي يقودها رئيس الجمهورية”.
وفي منحى آخر، قلل الدكتور أمين حسن عمر من مقترح المنظومة الخالفة التي طرحها الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي، وأضاف: “أنا ضد فكرة المنظومة الخالفة لأن هيمنة حزب على المشهد لا تقود إلى حياة سياسية طبيعية”، لافتاً إلى أن الحوار الوطني فكرة جيدة، إذا كانت المشاركة فيه تهدف لتنفيذ رؤية وطنية، وزاد يقول: “أخشى أن تكون المشاركة من أجل المناصب”.
“وصوّب عمر انتقادات لاذعة إلى الأحزاب العلمانية، وقال إنها خارج الرؤية الإسلامية الكلية وبعضها لا قيمة له مثل حزب المؤتمر السوداني، لأنه مجموعة أفراد تجمعوا ثم بحثوا لاحقاً عن آيدلوجية ترضي الغربيين”. وأشار إلى أن الفاعلية السياسية ليست مرتبطة بحجم القواعد الحزبية، وأردف قائلاً: “الحزب الشيوعي لا يملك ألف عضو في السودان كله ومع ذلك عامل زوبعة” قدر الدنيا”.
ـ الآن يمضي الدكتور حسن الترابي لبلورة رؤية أو مقاربة لجمع التنظيمات ذات المشتركات السياسية والفكرية في حزب واحد، تحت المنظومة الخالفة؟
إذا تحدثنا عن منظومة فهو أمر جيد جداً، لأن الجميع يتحدثون عن وحدة أهل القبلة. بمعنى أن تكون هنالك تنظيمات تنتظم في سياق واحد، وتدافع عن حياض، ترى أنه يتوجب الدفاع عنها. أما إذا كان المقصود حشر الجميع في تنظيم واحد، فهذه فكرة غير عملية. ومع ذلك فإذا اقترح الناس أنه يمكن أن يسعهم تنظيم فهي فكرة ليست سيئة، ولكنها ليست عملية. والأكثر عملية هو أن تتعدد التنظيمات، وربما حتى الاتجاهات الفرعية، ثم ينتظم الناس حول الكليات ويوحدوا برامجهم. وإذا كان هذا ما يسمى بالنظام الخالف فأنا لا أجد خلافاً معه.
ـ الفكرة ترتكز على خطوات تبدأ بتجميع الأحزاب في كيان، تنتهي في خاتمة المطاف بوحدة اندماجية، إذا تواثق الجميع على ذلك؟
أنا أفتكر أن حزب المؤتمر الوطني حالياً أكبر من ما ينبغي، فكيف إذا توحد مع المؤتمر الشعبي، وقطعاً هذا سيسد الأفق أمام الآخرين. أنا ضد الفكرة، ولا أعتقد أن هنالك حياة سياسية طبيعية، ستكون من خلال هيمنة حزب واحد على الحياة السياسية كلها، لذلك لابد أن يكون هنالك قدر من التدافع والتنافس، وهذا القدر من التدافع والتنافس، ينبغي أن يكون فيه قدر من الاتفاق، وقدر من الاختلاف. وأصلاً طبيعة النظام السياسي الغربي جمعي بمعنى أن الناس يتفقون على أشياء كثيرة، ويختلفون على برامج وعلى فروع، ويتنافسون من بعد ذلك على سيادة أي برنامج فرعي فهي كلها جزئيات، يعني أجزاء من كل الكل، وفيها الرؤية الوطنية الشاملة. والآن نحن هل ساعون من خلال الحوار الوطني لتنفيذ رؤية وطنية شاملة يصدر عنها الجميع؟ إذا كان هذا الغرض فهو أعظم غرض، ولكن أنا أخشى أن يكون هناك من دخل الحوار الوطني للبحث عن أنصبة في الحكم، أكثر من البحث عن رؤية، لينطلق من تلقائها الجميع، ثم يتنافسون من بعد ذلك حول فروع البرامج، وربما يحق لهم من بعد ذلك أن يتنافسوا أيضاً على تولي القيادة.
ـ عفوًا يا دكتور.. هذا ليس خطأ الأحزاب، وإنما خطأ المؤتمر الوطني الذي عوّد الأحزاب على الحوار من أجل المحاصصة وليس من أجل قضايا الوطن؟
صحيح، لكن المؤتمر الوطني له برنامجه، ويحكم مرتاحاً، ولم يأت من الأحزاب المتحاورة من يطالبه بتغيير البرنامج، وكل الأحزاب تأتي وتقبل ببرنامج المؤتمر الوطني، لأنه ليس لديهم اهتمام بالبرنامج واهتمامهم بالسلطة، وطبيعي إذا جاءت الأحزاب وقالت للمؤتمر الوطني إن مستعدة لتنفيذ برنامج فهذا بالنسبة للمؤتمر الوطني وضع جيد.
ـ لكن المخطئ هو المؤتمر الوطني وليس الأحزاب؟
لا يمكن أن أقول إن المؤتمر الوطني مخطئ لأنه يملك برنامجاً، ولكن الأحزاب الأخرى ليس لديها استدراك على برنامج المؤتمر الوطني. وربما تكون هي على صواب، بمعنى أن هذا البرنامج برنامج متكامل وجيد قبلته على ما هو عليه، ولكن هذا احتمال بعيد طبعاً، فنحن الآن نستطيع أن نرى جوانب تحتاج إلى رؤى.
ـ حسناً، لماذا يصر المؤتمر الوطني على برنامجه، كما لو أنه مقدس وغير قابل للتعديل؟
هذا ليس صحيح، لأن أهل المؤتمر الوطني يعلمون أن برنامجهم فيه كثير من الاستدراكات، ولذلك عملوا وثيقة كاملة سموها وثيقة الإصلاح، وهي قائمة على استدراكات كثيرة جداً في الرؤية وفي المسيرة، وهذا دليل على أن البرلنامج ليس مقدساً، وهو اجتهاد بشر فيه الصواب وفيه الخطأ، وينبغي أن نهتم أكثر بالنظر إلى أخطاء لتصحيحها، لأن الصواب في النهاية صواب.
ـ المؤتمر الوطني يمارس هيمنة كلية على الحياة السياسية، ثم هناك أشخاص يهيمنون على الحزب وهم من يقررون مصائر الناس.. هذه معادلة مقلوبة؟
الحياة الحزبية عندها آليات تعمل، والأحزاب الأخرى تتفتت وتختلف وتتنازع، فمن الذي سيملأ الفراغ، وطبيعي أن يملأه الحزب المتماسك نسيباً، وإذا أنت سميت هذه هيمنة فأنت حر، ولكن هذا هو الأمر الواقع، فهناك حزب اسمه حزب الأمة انقسم إلى سبعة أو ثمانية أحزاب، والحزب الاتحادي الديمقراطي انقسم إلى خمسة أو ستة أحزاب.
ـ عفوا.. المؤتمر الوطني نفسه عانى من الانقسامات وشهد مفاصلة تعتبر أكبر انقسام في تاريخ الأحزاب، وهو انقسام رأسي وليس أفقياً كما يحدث في الأحزاب الأخرى؟
المفاصلة لم تكن رأسية، وإذا اعتقدت ذلك، فهذا وهم. وإذا تحدثت عن خروج قيادات رؤوس سنقول إن ذلك صحيح، لكن ليس رأسياً، وكم هم الذين خرجوا مع الترابي؟ وإلى أي درجة أثروا في المؤتمر الوطني؟! لابد أن تفكر بالعقل السياسي، وهل خرجت نسبة قادرة على أن تخل بقدرة الحزب في الإمساك بالسلطة، وفي قيادة البرنامج الوطني، لم تخرج أي جماعة أثرت حتى هذه اللحظة. والترابي نفسه اعترف من اللحظات الأولى بأنه سيخرج بطريقة لن تؤثر على الحزب، وقال إن الحزب سيستمر، وهذا ما حدث، فقد استمر المؤتمر الوطني لأن المؤتمر الشعبي لم يخرج ولا بخمسة في المائة.
ـ كل هذا التأثير والفعل السياسي للمؤتمر الشعبي وراءه (5%) فقط من الأعضاء؟
وهل الفعل السياسي أو “الزوبعة” بالضرورة أن ترتبط بقواعد كثيرة؟ خذ عندك الحزب الشيوعي مثلاً، عامل “زوبعة” قدر الدنيا وعدده قليل جداً.. أنا أتحدي الحزب الشيوعي أن يحسب ألف عضو في السودان كله.. الشيوعي ليس لديه ألف عضو في السودان كله.
ـ لكن الحزب الشيوعي له وجود في المشهد السياسي، وتأثير في الشارع؟
صحيح، لكن هذا التأثير ليس متعلقاً بالعدد، وإذا كنت أنت الصوت الوحيد الذي يتحدث فسينتبه الناس إليك، أنا لا أتحدث عن التأثير، أنا أتحدث عن التأثير على الحزب، هل خروج الشعبي أثر على قدرة المؤتمر الوطني في الاستمرار على السلطة هل أضعفه.. قطعاً لا.
ـ الانشقاقات في المؤتمر الوطني لم تتوقف منذ حزب العدالة مروراً بمنبر السلام العادل وانتهاءً بحركة الإصلاح الآن؟
كم قيادياً خرجوا مع هؤلاء؟ أنا أعيش في الحركة الإسلامية عشرات السنين وأعرف المئات من قياداتها، وإذا أردنا أن نحصي الذين خرجوا مع هولاء الأحزاب من قيادات الحركة الإسلامية، فلن نجد أكثر من عشرين قيادياً، فكيف لهؤلاء أن يؤثروا في مسيرة حزب المؤتمر الوطني.
ـ كأنك تريد أن تقول إن مشاركة المؤتمر الشعبي في الحوار الوطني، ناتجة عن إحساس الترابي بأنه فشل في التأثير؟
ليس بالضرورة أن يكون هذا هو السبب. هم أنفسهم يشعرون أن هناك مشتركات تجمع بينهم والجهة التي انشقوا منها. وفي وقت من الأوقات كانوا يشعرون أنه مهما كانت حدة الصراع فلا خوف على تلك المشتركات، وعندما شعروا أن هنالك تحدياً حقيقياً من خارج البلد على المشروع الإسلامي، أصبح هنالك إشفاق على المشروع الإسلامي، وهذا دلالة على صدق التوجه الإسلامي، مهما حصل بين الناس من خلافات.
ـ هذا حديث يجافي الواقع، لأن الجميع يعلمون أن الخلاف بين الشعبي والوطني قائم على مواجد شخصية، ومن المنطقي أن نقول زالت المواقف الشخصية؟
ما في حاجة اسمها شخصي مائة في المائة، وموضوعي مائة في المائة. طبيعة البشر أنهم يختلفون على موضوعات، ولكنها لا تخلو من اعتبارات شخصية. ويختلفون على شخصيات ولا تخلو ايضًا من أسس موضوعية، وطبيعة البشر أنهم يخلطون الأمر الشخصي بغير الشخصي.
ـ البعض تحدثوا عن أن إقبال الترابي الشديد واندفاعه الكبير على الحوار الوطني، جعل كثيرين يتيقنون بأن ما يجري ما هو إلا حوار بين مكونات ذات مرجعية واحدة؟
أصلاً الترابي إسلامي، ونحن إسلاميون، ومن يقولون ذلك لن يغيروا رأيهم إذا حزب الأمة وجاء الآخرون، وهم تركوا الإسلاميين يتحاورون فيما بينهم، ونحن لا ننكر أننا إسلاميون، ولا ننكر أن الإسلاميين تحاوروا، فهل الإسلاميون متفقون على كل القضايا الوطنية والقضايا الاقتصادية. ثم من هم غير الإسلاميين، هل الصادق المهدي ليس محسوباً من الإسلاميين. وفي النهاية هو لن يخرج من الرؤية الإسلامية الكلية.
ـ كأنك تريد أن تشير إلى أن هناك حزباً خارجاً عن الرؤية الإسلامية الكلية؟
الأحزاب العلمانية التي تعتقد أن الإسلام شأن شخصي، هي خارج الرؤية الإسلامية الكلية، وبعضها لا قيمة له مثل حزب المؤتمر السوداني، وهم مجموعة افراد تجمعوا ثم بحثوا من بعد ذلك عن آيدلوجية اعتقدوا أنها مناسبة لأنها ترضي الغربيين لا أكثر ولا أقل. والحزب الشيوعي أصلاً آيدلوجي، ولكن للأسف الآيدلوجية الآن ليست حاضرة في الطرح السياسي. وفي الماضي كان الحزب الشيوعي الأيدلوجي موجودة دائماً في طرحه. معنى أن فكرة الاقتصاد جوهرية في السياسة عنده، وفكرة النظر الطبقي للمجتمع جوهرية عنده، وتمكين كوادر القيادات النقابية في الحزب كانت حاضرة عنده، والآن كل هذه المعاني اختفت، فالحزب الشيوعي أصبح حزباً تابعاً فقط لأحزاب نشأت جهوية عنصرية في رؤية.
ـ تسخر من فاعلية الأحزاب، كأنك لا تعلم أن المعادلة السياسية حالياً ليست طبيعية وأنها قائمة على القهر والقمع، وهذا يقلل من نشاط الأحزاب؟
هذا ليس صحيحاً.. الحزب الشيوعي عاش فترة القمع والقهر الحقيقي، وفي زمن الرئيس عبود كان مجرد الانتماء للحزب الشيوعي يكفي لأن يجعلك معتقلاً، لكن الآن نحن نعرف الشيوعيين ولا نقبضهم على الهوية. وفي زمن النميري نحن عشنا وعرفنا السجون وعرفنا أي حاجة، وتم اعتقالنا على الهوية.
ـ الشيوعيون يقولون إن الذين خرجوا من الحزب لم يحتملوا القهر والبطش، فهل أنت كذلك؟
الحركة الشيوعية هي أصلاً حركة قهر، وذلك الآيدلوجيا التي ترتكز عليها، لأنها تتكلم عن ديكتاتورية طبقة معينة، وفي الطبقة حزبها ديكتاتور على الطبقة، وفي الحزب قيادة الحزب ديكتاتورية على القواعد، لأنها قائمة على فكرة المركزية الديمقراطية، بمعنى أن القيادة هي التي تصنع الخيارات بناء على التحليل والديالكتيك. والشيوعيون ليسوا مؤهلين للحديث عن الديمقراطية لأنهم لا يؤمنون بها، والديمقراطية عند الحزب الشيوعي هي فكرة برجوازية، إذا تحدثوا عنها هم منافقون، إلا إذا قالوا طلقنا الماركسية وإنها ما عادت الدليل الفكري عندنا، فحينها يمكن أن نصدقهم، أما إذا قالوا إن الماركسية لا تزال الدليل الفكري عندنا، ونحن نؤمن بالديمقراطية فهذا يعني أنهم كذابون ومنافقون لأن الديمقراطية عند الماركسية هي فكرة برجوازية هي صنيعة للطبقة البرجوازية الصغيرة التي تحفظ بها مصالحها.
ـ لكن الديمقراطية المركزية الآن تحكم المؤتمر الوطني لأن هناك رئاسة تصدر كل القرارات وتخرج منها كل المبادرات، وهذا قولك أنت؟
هذا طبيعي، وقد تكون هنالك قيادة مؤثرة، ولكن نحن لا نستطيع أن ننتخب الرئيس. هذا على الأقل موجود على المستوى النظري في أي بلد في الدنيا، والديمقراطية ليست شيئاً مثالياً نظرياً، وهي واقع يتنزل على أوضاع الناس الاجتماعية، وربما تكون معظم المبادرات عند القيادات، وإذا كان المجتمع في فعالية ونشاط سوف تكون له القدرة على أن ينتزع بعض المبادرات ويجترح بعض السياسات.
ـ الآن هناك حديث داخل قواعد المؤتمر الوطني عن الرمز السيادي والرئيس الملهم، والآن الرئيس هو من يطرح الأفكار وهو من يتخذ القرار؟
ما في زول قاعد يتكلم عن رئيس ملهم ولا حاجة.. الرئيس يتخذ القرارات بناء على موقعه كرئيس جمهورية، ولا أحد يستطيع أن يقول للرئيس لا تتخذ هذه القرارات، طالما أنه لا يملك مبادرات يعين بها الرئاسة. وإذا أنت جلست دون ان تطرح الأفكار وطلبت من الرئيس أن يجلس أيضاً، فهذه كارثة، والبلد كلها ستجلس.
ـ بخصوص قطع العلاقة مع إيران، ألا تحس بأنه تم إقصاء كامل للحزب وحتى وزارة الخارجية؟
لا.. ربما الطريقة التي اتخذ بها القرار أملتها اعتبارات أنا غير مطلع عليها، ولكن لأني لا أطلع على هذه الاعتبارات لا أراها طريقة مناسبة، وأنسب لمثل هذه السياسات الرئيسية أن تعرض للنظر الحزبي والنظر الحكومي، ولا أعتقد أنها موضوع خلاف أصلاً، يعني ليس هنالك موضوع خلاف حول التوجه الاستراتيجي مع المنظومة العربية، لأن المنظومة العربية هي المحيط الحيوي للسودان، ولا يمكن للسودان أن يكون عاقلاً ويختار الاندراج في منظومة الأن في حالة احتكاك مع المنظومة العربية، وليس هناك خلاف أصلاً في مبدأ الخيار الاستراتيجي، لأن خيارنا الاستراتيجي في حالة الاحتكاك بين المنظومة العربية وأي منظومة أخرى تتخذ الآن مواقف مجانبة أو معادية سيكون موقعنا في المنظومة العربية.
ـ أين كان هذا التفكير طوال الفترة الماضية طالما أنه محل إجماع داخل الحزب؟
كان موجوداً دائماً.
ـ لماذا ظل حزبكم يناصر المعسكر الإيراني علي حساب المعسكر الخليجي الإسلامي السني؟
هذا ليس صحيحاً.. لأن أصلاً السودان لم يقف في يوم من الأيام بصورة استراتيجية مع إيران ضد العالم العربي. يا أخي السودان ظل في كل سنة يصوّت ضد إيران في قضية الجزر الإماراتية. وهناك فرق بين أن تكون لك علاقات مع دولة وبين أن تكون حليفها الاستراتيجي. وهناك علاقة مع أمريكا، وهي تحظرنا، لكن الجديد في الأمر ان هناك توتراً غير طبيعي وصراعاً حاداً على مصالح وعلى مواقف في المنطقة، ولذلك أصبح الأمر غير قابل لأن تكون رجل في السرج ورجل في الأرض، لابد أن تختار، إما أن تركب، وإما أن تنزل. ونحن ركبنا الجواد العربي ولم ننزل.
ـ لكن موقف السودان يبدو – برأي الكثيرين متسرعاً – وهناك من يقول إنه كان يمكن الاكتفاء ببيان شاجب، أو أقلها تقليص التمثيل الدبلوماسي، وهؤلاء يقولون إننا لسنا أولى بطرد السفير من دول الخليج التي لم تفعل ذلك؟
هذا حديث غير دقيق لأن الأمور ليست عملية حسابية وهي تقديرات موقف معين، وهل اذا قمنا بتخفيض العلاقات او مثلاً عملت أي موقف آخر، هل هذا سيجعل موقفي مؤمناً داخل المنظومة العربية، أم إنه سيُنظر إليه بارتياب؟ ولا ينبغي أن نسمح أبدًا بالنظر لانتماء السودان إلى المنظومة العربية بالارتياب، لأن السودان عنده وضع خاص، فهو في أطراف هذه المنظومة وليس في قلبها، وإذا كان السودان في قلبها مثل الكويت أو غيرها، فليس هنالك أصلاً أي سؤال سيدور حول مواقفه، ولأن السودان في الطرف فهو يحتاج إلى أن يتجول أكثر حتى لا يقال إنه خرج من المنظومة.
ـ لكن هناك من يدعو للتدرج في قطع العلاقات بدلاً من اللجوء إلى طرد السفير مباشرة؟
هذا كلام نظري، وإذا كانت الأمور تسمح بهذا فهذا جيد، شخصياً لا آخذ على قرار قطع العلاقة مع ايران أنه مضى مباشرة للخطوة النهائية بل كان يجب أن يمضي للخطوة النهائية، لكنني آخذ عليه أنه لم يعط انطباعا بأن هذا قرار مؤسسات وإنما قرار شخص واحد. ولذلك أصبح وكأنه ليس هنالك اجماع على هذا الموقف.
ـ الكثيرون يتحدثون عن أن القرار تم اتخاذه بعيدًا عن وزارة الخارجية؟
نعم، وليست هنالك غرابة في هذا، لأن الدبلوماسية في النظام الرئاسي يقودها رئيس الجمهورية. صحيح كان ينبغي أن يتريث قليلاً حتى تلتئم كل هذه المؤسسات على القرار، لكن ربما كانت هنالك امور حتى الآن لم نطّلع عليها، جعلت هذا التريث غير ممكن، أو غير مفيد. أنا حتى هذه اللحظة لا أرجح هذا، لكن لا أستطيع أن أحكم على شيء لم أحط بكل تفاصيله.
ـ لكن حتى إبلاغ السعودية بالموقف تم بعيداً عن الدبلوماسية التقليدية؟
هل كانت هناك ضرورة أصلاً لأن نخطر السعودية؟ ما هو أصلاً إذا في قرار مثل هذا سيعلن. ليس هناك ضرورة بأن نخطر السعودية بقرار طرد السفير.
حوار: يوسف الجلال
صحيفة الصيحة