في الإعادة إفادة

بمناسبة إيقاف مسلسل بيت الجالوص الإذاعي عدت إلى ما كتبته قبل أكثر من عشر سنوات عن المطالبة من صحافيين مصريين يمنع عرض فيلم عمارة يعقوبيان أو بحذف ما جاء عن صحافي من الشواذ.. وكان عنوان الزاوية فيلم الصحافي المنحرف وقد نشرته في النشوف آخرتا في صحيفة الصحافة عندما كنت أعمل بها كان ذلك في العدد 4194 في 7 فبراير 2000م أعيده ففي الإعادة إفادة، فما حذرت منه حدث بحذافيره عندنا بل تعدى ما كتبته.. إنهم لا يقرأون.
كتبت :-
مشكلة ظريفة تتمثل في أن رواية “عمارة يعقوبيان” ستتحول إلى فيلم سينمائي يجري تصويره من بطولة النجم “عادل إمام” المشكلة تمثلت في مطالبة صحافي بحذف مشهد أو مشاهد تتناول صحافياً من الشواذ جنسياً.. والظريف فيها أن الصحافة ظلت تنادي بالحرية وأن تكون بلا سقف وبلا خطوط حمراء.
هذه عقلية غريبة في فهم العمل الفني والأدبي ذكرتني بالاحتجاجات التي بثها بعض الإخوة ضباط الشرطة في إيقاف المسلسل التلفزيوني الشهير بداية التسعينيات (الشاهد والضحية)، كما ذكرني باحتجاج الأطباء على مسلسل سوداني آخر قدمه التلفزيون يتناول سيرة الأطباء.. كذلك الهجمة الشرسة التي تعرض لها مسلسل الشيمة الذي تعرض لبنات الداخلية الجامعيات الوافدات من الولايات.
إذا تعاملنا بهذه الطريقة فلن نقدم عملاً فنياً.. أو أدبياً.. لذلك لم يزدهر عندنا فن الرواية والقصة خاصة إذا تعرض لبعض التصرفات السالبة..
وأذكر في السبعينيات أن كتبت قصة كان بطلها مشوشاً .. وقد استعاض عن ممارسة الحب مع غجرية بممارسة الأمر في الخيال.. وقد انتقد زميل ناقد هذا البطل ووصفه بالانحراف وغيره .. وقد قبلت نقده وتحليله للشخصية. ولكنه بعد فترة جاءني معتذراً لأن صديقاً كاتباً أوحى له بأن البطل أو الراوي هو أنا ذاتي.. فهو قد انتقدني.. فاندهشت وقلت له حتى وإن صح ذلك وأن البطل أنا ..فإن وصفك هو حقيقة .. وأوضحت له أن البطل مجرد شخصية خيالية ولا وجود لها على أرض الواقع، وهو فعلاً يعاني من أزمة وأنه يستحق النقد لسلوكه السلبي هذا.
الغريب أن الصحافي لم يطالب بمصادرة الرواية التي هي الأساس في عرض شخصية الصحافي الشاذ..ربما لأن الفيلم يصل لأكبر كم من المشاهدين باعتبار أن رواد السينما أكثر من رواد القراءة.. كما أن النجومية الكبيرة التي حشدت للفيلم تجعله مثار ترقب.. وتناسى الصحافي أنه بمطالبته هذه والتي لن يستجاب لها قد ساعدت على الترويج للفيلم.
إننا عموماً في دول العالم الثالث نخلط بين الخيال والواقع بين التأليف والحقيقة.. لذلك سنظل نعاني من قصور في فنوننا كافة.. ولن نتطور.
ولدي صديقة كاتبة رواية لديها العديد من الروايات التي لا تجرؤ على نشرها بالعربية حسبما ذكرت لي لأنها تتناول كثيراً من المسكوت عنه .. ولما عرضت علي أفكارها شجعتها على أن لا تنشر لأن النشر سيعود عليها وعلى أبنائها بوبال كبير..
ومعاملة الأفلام والروايات على أنها واقع كارثة.. فهذا يعني أنهم يصدقون نموذج الأميركي أو الغربي الذي تقدمه أفلام الغرب بأنه حامي الإنسانية، وصاحب القدرات الفائقة وهو القادر بمفرده على هزيمة عشرات الناس من أمثالنا.
ولعل أبلغ رد على هؤلاء ما قدمه كاتبنا الفذ “الطيب صالح” في إجابة سؤال صحافية عربية حين قالت له، إن شخصية بطله “مصطفى سعيد” هي نفس شخصية “الطيب صالح” فأجابها قائلاً: ليت لي ذكاء “مصطفى سعيد” وفحولته!

Exit mobile version