تميزت واشتهرت حكومتنا بإضاعة الفرص التي تصنعها هي.. أو يصنعها خصومها أو أصدقاؤها أو تصنعها الصدف التي ليست لها يد فيها.. ولكن تتعدد الفرص ويهدرها (رماتنا) من السياسيين والتنفيذيين الذين دوماً تأتي تقديراتهم خاطئة.. وحينما كان لاعب الهلال السابق “خالد بخيت” يلعب في المقدمة الهجومية للفريق يهدر عشر فرص في المباراة الواحدة ويحرز هدفاً واحداً.. وكثيراً ما تضيق الجماهير ذرعاً باللاعب الذي يهدر الأهداف و(يحرق) الأعصاب، لكن الدكتور “علي قاقارين” حينما سألته صحيفة رياضية عن المهاجم “خالد بخيت” قال إنه الأفضل في السودان، لكنه يبذل جهداً خرافياً في مراوغة المدافعين و(يضطر) للنزول لوسط الملعب وشق طريقه للمرمى، وحينما يصل خط (18) يصاب بالرهق والإعياء ويقل تركيزه فيصوب الكرة خارج الخشبات.. بينما كان بالمريخ لاعب لا يبذل أي جهد في المباراة.. ولكنه يحرز الأهداف بغزارة، ألا وهو “الدحيش”.. كان يعسكر داخل خط (18) وينتظر أخطاء المدافعين ليضع الكرة في شباك المنافس دون عناء.. وحكومتنا تجمع بين صفات “خالد بخيت” في البحث عن الكرة وإرهاق نفسها ولكنها تهدر الفرص ولا تجيد التصويب داخل مرمى المنافس.. وتتقمص في أحياناً أخرى شخصية اللاعب الذي ينتظر أخطاء الخصوم، ولكنها بدلاً من التصويب في المرمى تضع الكرة في المدرجات.
كم من فرصة أضاعتها حكومتنا بدءاً من إصرار “جون قرنق” على تطبيق نظام حكم كونفدرالي.. أي دولة واحدة بنظامين.. رفضت الحكومة ذلك واعتبرت أن دونه (خرط القتاد).. ثم جاءتها فرصة تاريخية من خلال “نيفاشا” بالحصول على ضمانات دولية بإعفائها من الديون وتسوية قضية المنطقتين و”دارفور” قبل إجراء الاستفتاء، ولكنها أهدرت ذلك ولم تحصل على (تعهد مكتوب) واكتفت بالثقة في أقوال متناثرة يطلقها الأوروبيون والأمريكان في الهواء الطلق.. وحينما عادت علاقات السودان بمحيطه العربي والخليجي، ومع نشوب حرب عاصفة الحزم.. حصلت مصر التي لم تشارك في العمليات باليمن على (14) مليار دولار أمريكي وبترول يسد حاجتها لمدة (5) سنوات، ومشروعات استثمارية خليجية بقيمة (30) مليار دولار، ولم يحصل السودان إلا على مشروع لمحاربة العطش وتمويل لمحطة كهرباء بـ”بورتسودان”.. وكان يمكن أن تلعب الدول الخليجية (دوراً) في وقف الحرب وتحريك ملف المفاوضات مع المتمردين في المنطقتين و”دارفور”، وللدول الخليجية وخاصة السعودية.. قدرة على فعل الكثير جداً في المنطقة.
الآن ينعقد مؤتمر الحوار الوطني وهو فرصة تاريخية صنعتها الحكومة لنفسها ولكنها ستضيعها على نفسها إذا لم تقدر حساباتها الداخلية والخارجية جيداً و(تنتهز) الفرصة التي أمامها وضم المتمردين الذين يحملون السلاح للحوار الوطني وتجاوز (عقدة) اللقاء التحضيري أو المؤتمر التداولي والحركات التي تحمل السلاح تعيش الآن وضعاً عسكرياً صعباً جداً على الأرض بفقدانها للمقاتلين والهزائم التي تعرضت لها الصيف الماضي.. وغياب الداعم الإقليمي وانشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى في أطراف العالم كالوضع في سوريا والحرب على (داعش) وفقدان الحركات المسلحة في الوقت الراهن للسند الدولي الذي كانت تجده.. مما يجعل الوقت الراهن مثالياً في التوصل لاتفاق سلام عادل وموضوعي ويلبي رغبات وأشواق الجميع ونقل كل العملية السياسية من الخارج للداخل.. وفي ذات الوقت أن (تحسن) الدبلوماسية السودانية التعاطي مع تطورات الداخل وتسعى بجدية لإغلاق بعض الملفات كالمحكمة الجنائية والعقوبات الأحادية.
لكن الانتظار وإهدار الفرص التي تتاح الآن والرهان على فرص قد تأتي أفضل من الحالية في المستقبل أو قد لا تأتي.. يمثل رهاناً غير محسوب العواقب.. فالمتغيرات التي هي اليوم في صالح السودان قد تصبح غداً ضده، والعاقل من (ينتهز) الفرص التي تتاح له ثم انتظار هدايا المدافعين وأخطائهم لاستثمارها وإحراز أهداف إضافية منها لتأمين انتصار عريض، ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن القادم أفضل مما هو ماثل الآن من فرص.