{من الناحية (الشكلية) يبدو أن الخارجية السودانية متحسسة من سيطرة المخابرات المصرية على ملف العلاقات مع السودان، فهناك دائماً إحساس غير مريح ينتاب أي شخص إذا شعر بتدخل المخابرات – أي مخابرات – في شأن ما، خاصة إذا كان سياسياً .
{ظل وزراء الخارجية في السودان يشتكون باستمرار من تدخل المخابرات المصرية وتهميش الخارجية (المصرية) في الملف السوداني! مع أن المفروض أن تأتي الشكوى من الخارجية المصرية لا السودانية، من “سامح شكري” .. لا من “إبراهيم غندور”!!
{هم أحرار أو (هم حرين) في توزيع الملفات بين وزارات ومؤسسات وأجهزة دولتهم، يحيلوا ملف السودان للخارجية أو للمالية أو حتى لقوات حرس الحدود، وبلهجتهم (إحنا مالنا) !!
{المهم عندنا أن نحقق ما نريد منهم، وأن يصلوا لما يريدون منا وفق تفاهمات وتعاون واحترام متبادل .
{فلا يعني وجود ملف السودان في أضابير المخابرات المصرية بأية حال من الأحوال تقليل من شأن السودان، بل على العكس، لأن مدير المخابرات العامة كان وما يزال أقوى أثراً وأمضى فعلاً في الدولة المصرية من وزير الخارجية .
{وتذكرون أن اللواء “عمر سليمان” مدير المخابرات كان يمثل الساعد الأيمن والمبعوث الشخصي للرئيس السابق “مبارك” في الكثير من القضايا والمأموريات الخاصة .
{فملف العلاقات مع إسرائيل والسلطة والفصائل الفلسطينية كان من ضمن سلطات وتكاليف “عمر سليمان”، فهل كان أو سيكون يوماً الملف (الإسرائيلي) في درجة متدنية من الاهتمام عند السلطات المصرية، بحيث أن تفاصيل العلاقة بيد المخابرات لا الخارجية، أم العكس؟!
{وإذا كانت مكانة جهاز المخابرات في عهد الرئيس “مبارك” في درجة رفيعة، فإن ما يجب أن تفهمه حكومتنا وخارجيتنا بصورة أعمق أن تلك المكانة قد تزايدت وصارت أكثر نفوذاً – الآن – في عهد الرئيس المشير “السيسي”.
{مصر الآن الغلبة والقرار فيها للجيش والمخابرات، بينما كان الحزب (الوطني) في زمن “مبارك” يتقاسم معهما النفوذ .
{أما الآن فالدولة المصرية بلا (حزب حاكم)، بل هي قائمة انتخابية مكونة من ائتلاف (دعم مصر) اكتسحت الانتخابات البرلمانية وحازت على أكثر من (350) مقعداً في مجلس النواب الجديد .
{ولتفهم خارجيتنا الوضع كما ينبغي، يجب أن تعلم أن مجلس النواب المصري الجديد يضم في عضويته (71) ضابطاً من الجيش والمخابرات والداخلية! فضلاً عن (116) رجل أعمال، غالبيتهم العظمى من المقربين لدوائر المخابرات منذ عهد الرئيس “مبارك”.
{اللواء متقاعد “سامح سيف اليزل” القريب من المخابرات العامة المصرية انتخب أمس رئيساً لكتلة الأغلبية بالبرلمان، أما اللواء متقاعد “حاتم باشات” وكيل المخابرات السابق، فكان أحد المرشحين لمقعد وكيل مجلس النواب، لكنه لم يوفق في التصويت الداخلي الذي استمر حتى الساعات الأولى من صباح أمس (الاثنين)، وربما يتم تعويضه وينال رئاسة إحدى لجان المجلس المهمة خلال الأسابيع القادمة .
{والوضع إذ ذاك، فإن المفروض أن تطالب حكومتنا شقيقتها الحكومة المصرية بأهمية إبقاء ملف السودان طرف المخابرات المصرية، لأهميته وتقديراً لخصوصية وعمق العلاقات الأزلية والمصير المشترك بين البلدين الشقيقين!
{وعلى أية حال، السودان أيضاً أحال ملفات بعض الدول المهمة أو الشقيقة والجارة لجهاز المخابرات في فترات سابقة بالتعاون مع الخارجية، مثل ملف العلاقات مع أمريكا تحت عنوان مكافحة الإرهاب، ثم ملفات جنوب السودان، تشاد وليبيا في أوقات التوترات والمراحل الحرجة، ولا غضاضة في ذلك .
{رؤساء الدول بما في ذلك الديمقراطية المتقدمة مثل الولايات المتحدة، يكلفون دائماً أجهزة المخابرات بالمهام الأهم والقضايا بالغة الحساسية.
{المهم أن يكون الفعل والمردود قدر التحدي ويلبس ثوباً دبلوماسياً راقياً ومناسباً.