٭ لا زال الجدل حول سد النهضة مستمراً ولم يحسم بعد، بالرغم من أن العمل به قطع شوطاً كبيراً، بالأمس أعلنت أثيوبيا رفضها لطلب مصر بزيادة بوابات السد، وهنا في السودان عبر خبراء سياسيون واقتصاديون عن قلقهم وحذروا من مغبة أن يتسبب السد في إغراق عدد من الجزر، إذا حدث أي طاريء استدعى فتح أبواب السد، إلى جانب أن السودان سيفقد مشاريع زراعية تعتمد على الري الفيضي، وقالو إن قيام السد يحقق نظرية استعمارية سابقة تحدث عنها مكتشف منابع النيل، واتهموا المسؤولين بالدولة بجهلهم بالآثار السالبة التي تترتب علي موارد المياه بالبلاد، بسبب قيام السد، وأعاب الخبراء تباين واختلاف وجهات النظر بين الفنيين والسياسيين في هذا الشأن، ومقابل ذلك نفى وزير الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور الخطوة، وأكد عدم حدوثها جملة وتفصيلاً، وأكد عدم انحياز السودان لأي جهة، وقال إن الخرطوم لها مصالح في قيام السد.
٭ استمرارية مياه
السؤال الملح هنا في ظل تباين وجهات النظر هل فعلاً السودان سيتضرر من قيام السد؟ وهل سيتم إغراق بعض الجزر؟ .. الخبير الزراعي صلاح قرناط يرى أن السودان سيجني فوائد كثيرة من قيام السد حصرها في استمرارية مياه النيل بمستوى واحد وثابت دون انخفاض أو ارتفاع مفاجيء طول العام، الأمر الذي سيستفاد منه في الزراعة، بالإضافة لتوفير الكهرباء ومخزون مائي طول العام، وقال إن التوقعات التي يطلقها البعض بأنهيار السد ضعيفة، مردفاً: إذا حدث ذلك فإن المجرى الطبيعي للنيل يمتص جزءًا كبيراً من المياه، موضحاً بعد قيام السد لن يأتي فيضان هائج يشكل خطورة على السودان، إلا أنه عاد وأقر بأنه سيقضي على أراضي الجروف التي تستفيد منها فئة معينة.
٭ ضرره أكبر من نفعه
فيما اختلف معه الخبير الاقتصادي كمال كرار، وأكد أن حجب وحبس كميات كبيره في أثيوبيا يؤثر سلباً علي الزراعة الفيضية في السودان، وخاصة المحاصيل البقولية، منوهاً لخطورة إغراق عدد من الجزر السودانية من بينها «جزيرة توتي» في حالة حدوث أي طاريء استدعى فتح أبواب السد، لافتاً إلى أن هطول الأمطار بصورة كثيفة في شرق السودان لاتصب في مصلحة الزراعة، فضلاً عن أن هناك أنهاراً كثيرة لاتصب في المجاري المحددة، وتؤثر على عملية الزراعة والري في مناطق دلتا طوكر والقاش، بجانب إحداث أضرار بيئية في شرق السودان، مضيفاً أن الأضرار المتوقعة من السد أكبر من الفوائد التي يحصل عليها السودان، ووصف كرار تصريحات وزير الخارجية بحديث الدبلوماسية الهادئة والدعاية السياسية، وقال إنها تأتي في سياق إرضاء المصريين بالقول إن السودان غير محايد في قضية السد، وإنه ينظر لمصالح مصر، وقال لـ(آخر لحظة) سد النهضة لم يخضع لدراسة عميقة من الجانب السوداني، مما يخلق نتائج كارثية كما نراها الآن في السدود التي أقيمت داخل السودان، وختم كرار حديثة إن سد النهضة حسب المعطيات الراهنة قائم، والعمل فيه جارٍ في ظل توتر مصري واحتقان شعبي، مضيفاً أن محاولة مسك العصا من النصف لاتجدي، ومن المؤكد أن السد وإلى حين امتلاء البحيرة خلال (8) سنوات، كما هو محدد ستنقص من حصة السودان من المياه ..
٭ القيادي بحزب الأمة القومي والمهتم بالملف إبراهيم الأمين نبه إلى تباين وجهات النظر بين الفنيين والسياسيين السودانيين، فيما يخص مصلحة السودان في حوض النيل، وقال إن البعض يعتبر قيام السد كارثة، فيما يؤكد الآخرين فوائده للسودان، مشيراً لوجود رأي ثالث وصفة بالسليم، يكمن في توحيد لغة السودانيين جميعاً تجاه قضية المياه لأنها حيوية وحساسة لا تتحمل الاختلاف، وشدد الأمين على أهمية أن يكون المنطق تقديم مصالح السودان العليا وعدم الإضرار بالآخرين، وأضاف أن السودان تاريخياً ارتبط في تعاملاتة مع قضايا المياه مع مصر، وفقاً لاتفاقية (1959)، مشيراً لوجود درجة من الاستقلالية في موقف السودان تجاه هذة القضية، مبيناً أن أثيوبيا استطاعت أن تكسب نقاط الجولة الأولى من الصراع حول المياه، والسبب يرجع لإتساق بين مشروع أثيوبيا الوطني وآليأت إنفاذه، بمعنى أن أثيوبيا موقفها متوحد تجاه قضايا المياه.
٭ نظرية استعمارية
ويتفق الخبير الاقتصادي البروفيسر عصام بوب مع سابقه في أن قيام سد النهضة لا يحقق فوائد للسودان، إنما يحقق نظرية استعمارية قديمة وردت في حديث مكتشفي منابع النيل في العام 2691م تقول إن من يتحكم في منابع مياه النيل يسيطر على دول المصب .. موضحاً أن السد سيعطي بلداً محدداً القدرة على التحكم الكامل في مياه النيل، مؤكداً أن هذا يقترن مع قول المسؤولين الأجانب، مضيفاً أن أثيوبيا سيكون لها القدرة علي بيع المياه لمصر والسودان، مشيراً إلى أن قسمة مياه النيل أو حجزها من دولة يتعارض مع القانون الدولي للمياه، معرباً عن أسفه لعدم معرفة المسؤولين عن الآثار السالبة التي تترتب على موارد المياه في السودان، وأشار بوب لتقرير وزير المياه السابق كمال محمد علي عن خطورة التحكم الكامل في مياه النيل الأزرق، نسبة لأنها تشكل مصدر الحياة لمصر والسودان، وأضاف أن السير في بناء السد حتمي، وهذه إشارة لقيام حرب المياه، وأن السودان سيكون أرض المعارك.
٭ وبين هذا وذاك يستمر الجدل حول السد، السودان يؤيد ويؤكد مصلحته من قيامه، فيما تظل مصر وأثيوبيا تتجادلان في قضية جديدة تتعلق بزيادة الفتحات، وأكدت إرجاء الأمر لحين انعقاد الاجتماع السداسي لوزراء الخارجية والمياه المزمع عقده في فبراير القادم بالخرطوم.
تقرير : زكية الترابي : اخر لحظة