كانت أغنياتنا السودانية مترعة بالتسامح والتصافي (وكنوز محبة) حتى العتاب فيها لم يكن جارحاً أما اليوم فقد أضحت الصورة مغايرة وصار العتاب في الأغنية السودانية يتسم بالكثير من عدم التسامح وقلة الإحترام وإذا أجرينا مقارنة على طريقة العتاب بين الحبيب أو المحبوبة من جيل الرواد ومروراً بجيل العمالقة إلى هذا الجيل سوف نلتمس هذا الإختلاف بوضوح في كثير من الأغنيات، جيل الرواد كانت أغاني العتاب جميلة وليس فيها ما يخدش الحبيب أو المحبوبة، ومن شدة جمالها الآخاذ كان يتغنى بها المغنون في حفلات الأعراس، وينشدها الشباب في تلك الحقبة في الطرقات لعذوبة ألحانها وسحر موسيقاها وجمال معانيها مما جعل لها مكانتها الخاصة في نفوس الناس وظهر ذلك واضحاً في اغنية (أفكر فيه وأتأمل) التي يقول فيها الشاعر عبيد عبد الرحمن (هواه بجسمي يتخلل، مجاري الدم إذا اتحلل، وقيع لرضاه أتذلل، وما هماه يا سيدي، دا واحد أصلو بتدلل).
وهذا العتاب الشفيق يملأ النفس اللذة والبهجة، أما الآن فقد أضحت طريقة العتاب للمحبوب أو المحبوبة (حدث ولا حرج) ومثال لذلك أغنية: (أضربني بمسدسك) لشكر الله عز الدين و(لو ما بكيتك سنة) لطه سليمان.
مشكلة المجتمع
يقول الشاعر عبد الوهاب هلاوي: إن المجتمعات كلما كانت متحضرة كل ما كانت فيها القدرة على التعبير المختلف في المواقف التي تكون جارحة بالنسبة للطرف الآخر، ولعل العتاب والتسامح من أشكال التحضر والإعتذار شيء جميل ومن المفترض أن تكون أغانينا مرآة تعكس ما يدور في مجتمعنا الذي يتسم بالطيبة والتسامح، ولكن أغاني هذا الجيل تختلف عن الأجيال السابقة نسبة لتغير أشياء كثيرة منها المفردة نفسها، حيث صارت مصطلحات الشارع هي التي تعبر عن الحبيب أو المحبوبة، ولذلك تتنوع فيها الكلمات ذات المضمون الجارح، والعتاب له أنواع كثيرة منها العتاب بالنظرة، والصمت والكلمة وفي هذه الأخيرة من المفترض ان تكون شفافة وليست جارحة للحبيب.
ما ذنب الشعراء
بينما يقول الشاعر الشاب محمد ديكور إن الزمن إختلف والمجتمعات تغيرت وأضاف: “أفتكر القسوة دي مستمدة من المجتمع والعتاب أضحى جارحاً ليس من الشعراء فهم الذين يتحسسون آلام الآخرين ويقومون بعكسها في قصيدة والشعراء تشكلهم بيئتهم لذلك شيء طبيعي أن يكون العتاب بهذه الطريقة مثل (لو ما بكيتك سنة) .. وهذا شيء طبيعي ناجم عن التعامل مع الآخرين بنفس هذه اللهجة الحادة، ويضيف ديكور: أن شعراء هذا الجيل ليسو بهذه القسوة ولكن هذا هو حال المجتمع والشاعر هو مرآة للمجتمع يعكس ما بداخله من قسوة وحنية وإذا كانت القسوة هي السائدة ما ذنب الشعراء؟!”.
ونسة ساكت
ويقول الفنان (خالد الصحافة) إن الطريقة التي يغني بها بعض الفنانين الشباب والمتمثلة في ترديد الغناء الجارح وتجسيد القسوة ويعتبرونها ناتجة عن المجتمع، أنا أختلف معهم، وأقول لهم: هذا ليس إختلافاً في المجتمع ولكنه إختلاف في المفردة عموماً، الذين يتغنون بمثل هذه الأغاني ويعتبرونها عتاباً أقول لهم: بأنها ليست لها أية علاقة بالعتاب وهو هبوط في الكلمة ليس إلا ويضيف الصحافة: (إذا جلست مع بعض الذين يروجون لمثل هذه الأغاني و(إتونست معاهم) ستجد هذه هي طريقة عتابهم معك، مما يؤكد أن أغنياتهم تلك لا تعدو مجرد كونها (ونسة).. وهذا تغيير جيل في الكلمة وليس له علاقة بالموروث الغنائي والكلمة الجارحة في الأغاني السودانية التي أصبحت تتمدد والموضوع طويل والله يستر)!
شيء طبيعي
(خنت قلب بجد بريدك، إن شاء الله تشقى، وتضوق المرة، وأصلو ما تلقى البريدك.. هكذا إبتدر الفنان الشاب أحمد البنا حديثه معنا وأضاف هذا شيء طبيعي أن تغني مثل هذه الأغاني التي يعتبرها الكثير من الناس فيها نوع من القسوة ولكن في هذا الزمن أصبحت الخيانة هي سيدة الموقف والتسامح في الأغاني أصبح قليلاً وأنا عندما غنيت (خليتك لي الله) إنتشرت هذه الأغنية إنتشاراً غير مسبوق ويضيف أحمد: أنا زول خائن أسامحو كيف)؟!
صحيفة حكايات