الدموع الحاضرة.. هي ذلك المطر المتساقط من محاجر العيون، الذي يسيل على أثره الدمع غزيراً من سحب المواقف والظروف، تلك الدموع الحاضرة ظاهرة مناخية نفسية، تميزت بها الشعوب الشرقية.. هي تهطل بغزارة طوال العام مع كل تجمع لغيمة ضحك بيضاء أو سحابة حزن سوداء، ما يثير عجبي أن حباتها المتساقطة لا تفرق بين فستان فرح أبيض أو لباس حزن أسود، وهنا يلوح من خلف ستار الدمع تساؤل:
لماذا نُغرِق بالدمع كل ظروف الزمان أو المكان؟!
في مقارنة سريعة بين ثقافة الحزن والفرح بين شعوب شرق الأرض وغربها، نجد أن التعبير عن الموقف مختلف بحجم المسافة بينهما..
في حزننا هنا.. الدمع يسقي جذور الألم حتى لا تموت، لتنبت من كل خدش أو فقد مائة جرح يستمر بالنزف حد التقرح، وبدل أن نخيط الألم بالفرح نفتحه بمشرط النواح خشية أن يلتئم، أما هناك فـللحزن تعابير أخرى، أولها دمع بكثافةٍ معتدلة يخفف ما تجمع في النفس من مركز الوجل ليخرج من مآقي العيون فائض الحزن ثم يجف.. لتبدأ بعد ذلك مرحلة أخرى في التعامل مع قاسي الظروف، تعتمد على التقاط شظايا النفس المنكسرة، ومن ثم لصقها ببراعة بصمغ الإيجابية الذي يرمم أجزاءها بقوةٍ صلبة، تجعل حجارة ذكريات ألم الأمس عاجزة عن كسر فرح اللحظة الحاضرة، أو أمل المستقبل القادم.
أما في فرحنا هنا.. فالدمع أيضاً هو أول من يستقبل خبر البهجة، حالفاً ألا يجعله يدخل القلب قبل أن ينحر له روح طمأنينة العيون، حتى تُراق دماؤها على بياض النواظر احمرارا.. فتسكب العيون ماءها في محاولة يائسة لغسل دماء جرم البكاء الذي اعتدى على روح السعادة.
هنا.. الضحكة الصافية المتدفقة من نهر الفرح والنجاح والتميز، ووفرة السعادة التي هي من عطايا الرحمن، نعيشها على استحياء وبتكتم شديد، خوف العين والحسد ومن كلام الناس، حتى إننا من عجب أحوالنا.. إن مَنَّ الله علينا بأوقات ضحك وفير نابع من أعمق مناطق القلب ختمنا ذلك بعبارة “اللهم اكفنا شر هذا الضحك..!”.
ولكنهم هناك..
استقبال خبر الفرح عندهم مختلف.. قد يكون ذلك بقفزة تصعد بالسعادة إلى أعالي البهجة.. أو حفلة صغيرة أو كبيرة ليشاركهم فيها محبوهم فرحهم، فتتركز ذرات السعادة لتبقى في النفس لوقت أطول، وقد تنتقل بشكل أسرع لتجذب طاقتها الإيجابية كل من شارك الفرح، فتعم السعادة بما يناسب ظروف كل منهم.
هناك لا تهرم السعادة بعد أن تبلغ نشوة الفرح أقصاها، فهم من بلوغ قمة الحبور يبدؤون في البحث عن سعادة جديدة تعزز ثبات سعادتهم في النفس والروح، لتبقى بهجتهم قيد الطلب، تلك المقارنة البسيطة تجعل علامات الاستفهام أكثر، أليس الحزن قضاء الله الذي يجب أن نتقبله بصبر وحزن معتدل، يأخذ وقته ثم لا يلبث أن يزول لتستمر الحياة، ويكون معاشنا فيها أسهل وأكثر بهجة..؟
أليس الفرح من نعم الله سبحانه التي يحب أن يرى أثرها علينا دون خوف من عين أو سحر أو حسد، ما دمنا نحصن أنفسنا بذكر الله والثقة به، والاتكال عليه سبحانه؟
أليست الحياة جميلة قصيرة، أيامها سريعة، فمن الظلم أن نظلم أنفسنا بالانشغال بدموعنا عن اللحاق بقطار فرحها السريع..؟
أحبتي ..
جففوا منابع الدمع وأسيلوا عذب الفرح.. فالحياة حلوة وملح الدمع يفسد حلاوتها..
تفاءلوا خيرا ولا تفسدوا بكآبة الدمع بهجة حياتكم.