من المتعارف عليه أن الراعي هو ذلك الشخص المعهود إليه أو المتكفل بمهمة رعي الأغنام أو الأبقار أو غيرها سواء أكانت ملكه أو كان أجيرا عليها، حيث تقع على عاتقه مسؤولية الخروج بها مبكرا إذ يغتدي والطير في وكناتها إلى حيث الماء والخضرة والكلأ (وبالطبع لا يهم هنا الوجه الحسن).
جوع كلبك يتبعك
وفي السياق، يقول علي تميم لـ (اليوم التالي): نجد الراعي يحمل عصاه على كتفيه وتارة على جانبيه، وتارة أخرى يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، وله فيها مآرب أخرى، وهو يسير وسطها أو خلفها أو ربما تجده أحياناً جالسا القرفصاء على الأرض مراقبا لها لا هم له سواها وتتبع خطواتها، لا تفلت نظراته منها للحظة، وقد يتبعه كلب للحراسة يساعده في المحافظة عليها يجوعه خصيصا لكي يتبعه كما يقول المثل: (جوع كلبك يتبعك) أو قد يكون معه صبي صغير يعاونه حتى إذا ما عادوا جميعهم بهذه العهدة و(العهدة على الراعي)، وقد امتلأت أضرعها باللبن الأبيض من غير سوء لذة للشاربين. ويضيف علي: أذكر نشيد (الراعي) الذي كان مقررا علينا في مرحلتنا الأساسية يقول مطلعه (غنمي ترعى طول اليوم.. وسط المرعى طول اليوم.. وبها أسعى طول اليوم.. وهي شبعى طول اليوم).
احنا راجعين في المغيرب
أما النذير محمد علي فيقول: يعود الراعي بعهدته في المغيرب للديار لا حد يشوفو لا يشوف حد فقط تعلم بعودته بسماع نغماته المعتادة التي يكررها برتابة وروتينية مغربية يومية بلغته البسيطة المبسطة فقط تسمع الأصوات المتداخلة. وهو يهش عليها: “اررر، تك تك تك، اشش اشش اش, عي تك تك، تك المرض الـ …” ونضيف إليها مخاطبته لصبيه المعاون له في مهمته إذ تسمع منه “يا جنا ها.. حاود الجنيات ديل من أمهن كدي وللا كدي خليهن اليمشن حداك” و”ياجنا ها.. البهم ديل خبارن الليله باقيلي تب ماشبعن تب اليوم ده”.
دخول التأريخ
وبالرغم من هذه البساطة والعفوية إلا أن الراعي قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه، فقد نسبت إليه عشرة أيام لم تنسب لأحد من قبله أو بعده، فبالرغم مما يقال عنه بأن (الراعي واعي) إلا أنه قد تخطاها عندما اعتقد بأن الشتاء قد ودع وارتحل بعد معاناة مع زمهريره وأن الصيف قد حط رحاله، ولم يدر أنها لم تكن سوى فترة قصيرة ولحظات ويواصل، فأسرع وباع ثوبه الذي كان يحميه شر البرد وأمسك بالمقص و(كرج كرج كرج) حلق لأغنامه وعدمها اسم الصوفة، وما هي إلا عشرة أيام بالتمام والكمال حتى عاود البرد نشاطه، ويصل أوج ضراوته، وبالطبع فإنه كان لابد من نفوق أغنام الراعي وأصابته هو نفسه بزمهرير الشتاء وأمراضه وكأن رياحه القوية أو ما يسمى بـ (الزيفة) ترد عليه “تاني ما تقول انتهينا انحنا يادوب ابتدينا”.
عشرة الراعي
أصبح ذلك مضرب مثل وقصة تُحكى جيلا بعد جيل للأيام الفواصل التي تسبق شهر أمشير (البخلي الانوف تسيل) عشرة أيام بلياليها تنتقل الناس معها إلى النوم خارج الغرف أو يعاودون فتح المراوح والمكيفات، معتبرة أن الشتاء قد ودع ورحل، وأن الصيف قد لاحت تباشيره بدليل تغيير الشمس لفيوزها، وبالتالي معاودة السخانة وبدء أمواج العرق في الهدير وتسليك مجاريها لتسيل وتجرى على مدار الـ (24) ساعة، ثم ما تلبث موجة البرد بأن تعاود ضراوتها بعد العشرة أيام، والتي اصطلح على تسميتها بـ (عشرة الراعي)، وإن كان ذلكم الراعي قد نقصت درجة وعيه الكامل مع أن (الراعي واعى) وانخدع مرة، فلنعتبرها درسا ونتعامل معها على أنها ليست سوى (عشرة الراعي) فقط وخليكم واعين، فقد اقتربت عشرة الراعي.
أماني شريف
صحيفة اليوم التالي