مما لاشك فيه أن للحوار الوطني الجاري منذ شهرين له عوامل دفع Push Factors كما له عوامل جذب Pull Factors فمن عوامل الدفع للحوار هو فشل كل النخب وجميع الحكومات المتعاقبة والمعارضين لها بمختلف أشكالها منذ الاستقلال حتى اليوم في تحقيق أحلام السودانيين في وقف الصراعات والحروب وتحقيق السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي والحكم الراشد والديمقراطية الصحيحة والمستدامة وتكريس التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والهامش. ولئن نجح الآباء المؤسسون في مقاومة الاستعمار البريطاني وتجاوزوا حالة الاحتراب حول مستقبل السودان بين المطالبين بالاستقلال أو الوحدة مع مصر وأجمعوا على الاستقلال الا أنه للأسف فشلوا في تحقيق الاستقرار واستدامة الديمقراطية وحسن إدارة التنوع.. إذن عوامل الدفع هذه تستوجب هذا الحوار إذ لا بديل له إلا المزيد من الصراعات وتحويل السودان – هذا البلد الغني بالموارد والثروات الهائلة – الى بلد يشبه ما يحدث الآن في الصومال وليبيا وسوريا والعراق ومصر.. أما عوامل الجذب لحوار حقيقي وصادق فهو رغبة السودانيين في تحقيق آمالهم في دولة سودانية محترمة وأنموذج لنظام ديمقراطي صحيح وفي دولة مستقرة وسالمة ومتوحدة ومتجاوزة حالة الفقر والضعف الاقتصادي ولحسن العلاقات مع العالم.. ومن المؤكد لن يحدث ذلك الا إذا سادت الحكمة والتعقل الذاتي وانخرط الجميع دون إقصاء في حوار حقيقي وصادق وشفاف واستطاعوا أن يتجاوزا حالة عدم الثقة والخوف المتبادل بينهم وذلك بأن يتنازل كل طرف ويتزحزح عن مواقفه المتشددة وشروطه المسبقة من أجل مصالح الوطن العليا ويتجاوزوا جميعاً مصالحهم الحزبية والجهوية والقبلية والشخصية.. في تقديري أن أزمة عدم الثقة والتشكك في النوايا هي التي تشكل العقبة الكبرى بين الحكومة والمعارضة فلو اتخذ الطرفان وسلكا طريقاً أفضل مما هو قائم من تشكك لأمكن التوصل بطريقة سلسة إلى التراضي والتوافق الوطني عبر تكريس القواسم المشتركة والحد الأدنى من الاتفاق وبصورة ترضي الجميع. وسيكون من السهل جداً الاتفاق على آلية الانتقال من الأوضاع القديمة قدم استقلال السودان الى وضعية أفضل.
لا يا تراجي مصطفى
رغم تقديري وتثميني للخطوة التي اتخذتها الناشطة تراجي مصطفى بعودتها لوطنها الأم تاركة العمل السياسي والعسكري المعارض من الخارج والعودة إلى أرض الوطن وإيثارها ووفد المنافي للحلول السلمية لقضايا وطنهم وانخراطهم في الحوار الوطني الجاري الا أنني استمعت قبل أيام لحديث للسيدة تراجي عبر الواتساب تسب الذين كانت معهم بالأمس سباباً لا يليق بها كناشطة سياسية محترمة ولا بالإنسان السوداني وآمل أن يكون ذلك الحديث مدسوساً عليها وليس صحيحاً فقد سمعت عبارات يندي لها الجبين مثل يا عبيد، يا جزم، يا منحطين… إلخ العبارات التي لا تساعد في تحسين مناخ الحوار الجاري الذي نأمل أن يكون حواراً محترماً يجذب ولا يباعد. فكيف بالله عليكم كيف يسمح لها تقول ذلك؟ لقد سئمنا من عبارات الهجاء والشتيمة والتحديات مثل ألحسوا كوعكم، ولن نسلمها لبغاث الطير.. إلخ العبارات التي لا تليق نسوا أو تناسوا أن الملك لله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء.. لا يا تراجي التزمي بالتراث السوداني الذي سمته التسامح فالمسامح كريم، وحتى لو اتهموك فقولي لهم كما قال سيدنا المسيح عليه السلام: كل ينفق مما عنده.. ما هكذا يا تراجي، أتمنى أن تكون تلك العبارات مدسوسة عليك وإلا فيتعين عليك الاعتذار لهم وللشعب السوداني وللحكومة التي أكرمتك واستقبلتك وفتحت لك كل الأبواب، فلا تغلقي الأبواب!! هكذا تكون حسن السياسة..
الجريدة