في أزمان مضت كان السودانيون يجتمعون ويتعارفون في المواصلات العامة، حيث كان التلاقي في البص أو الحافلة فرصة سانحة للناس لتبادل الحديث والتسامر أثناء ذهابهم لقضاء حوائجهم من دراسة وعمل أو العودة لمنازلهم، وكانت الابتسامات حاضرة بقوة بينهم، ولكن في الفترة الأخيرة غابت هذه (الظاهرة) وتغير المشهد العام داخل وسيلة المواصلات فلم يعد أحد يهتم بآخر، أو بمن يجلس في المقعد المجاور.
حسين الدرديري (موظف) ابتدر حديثه قائلاً إن ظاهرة التسامر والضحك في المواصلات غابت لأسباب عديدة، أبرزها الوضع الاقتصادي السيئ الذي أنهك المواطنين مما جعلهم منكمشين مع أنفسهم حسب وصفه، حيث بات أي شخص يركب المواصلات لا يرغب في أن يتحدث مع أحد، ويكتفي بالنظر إلى أسفل أو عبر الشباك!
أما الزين عبد الكريم (عامل) سكت برهة من الزمن حينما طرحنا عليه الأمر، وبدا وكأنه يستعيد ذكيات مضت وقال بعد أن أخذ نفساً عميقاً: زمان الدنيا والبلد كانت بخير والناس مروقة وزاد: هسي الناس ظروفا زي الزفت ما في نفس زاتو الزول يعاين للجنبو في المواصلات!
ووصف الزين ظاهرة المؤانسة في المواصلات بأنها كانت ظاهرة صحية وخلفت الكثير من العلاقات الناجحة، واعتبر زوالها بأنه نهاية لشيء جميل.
غير أن عمر أحمد (طالب) يرى خلاف ذلك ويقول إن (المواصلات) لا تزال واحدة من المنابر الاجتماعية المتحركة التي تربط السودانيين ببعض وزاد: والله رغم الظروف والهموم البتحاصر الناس دي لكن لسه الناس بخير وبتضحك.
الباحث الاجتماعي د. علي آدم يرى أن الظاهرة تلاشت تماماً بفعل الأزمات الاقتصادية التي قهرت المجتمع وهتكت النسيج الاجتماعي القريب ناهيك عن العلاقات التي كان مسرحها المواصلات عبر التسامر والضحك فيها، ويضيف د. علي: أنه قديماً كانت الخرطوم على امتدادها تحتضن سكاناً أقل والظروف الاقتصادية فيها كانت أفضل بكثير، مما كان يساهم في خلق أجواء اجتماعية في شتى مناب الحياة الاجتماعية بما فيها المواصلات خاصة الخطوط الطويلة منها على غرار مواصلات الخرطوم_ الكلاكلات والخرطوم_ الحاج يوسف وغيرها، وأضاف د. علي أن خاصية تعلق الناس بالأجهزة الرقمية الحديثة، وكثرة التصفح عبرها لمواقع التواصل في المواصلات شغلت الكثير من المواطنين من أن يتعارفوا ويتسامروا.
صحيفة المجهر السياسي