ولا نمل نستشهد بقصة الأخوين الشقيقين المتشاكسين المتقاطعين لا بينهما سلام ولا مفاوضات سلام ولا كلام ولا ملام (قطع ناشف) لا العيد مبارك عليك ولا حنين لأيام..
كانا يتشاركان سريرا واحدا ويتبادلان الجلباب والعراقي.. كبر الأولاد وبينهما الود حتى جاء ولد أحد الأخوين لأبيه يطلب منه أن يخطب له ابنة عمه، رحب الأب وسط دهشة الابن وقال له لن تجد أحسن من بنت عمك وذهب معه إلى عمه، لم يدخل الي البيت ولم يشرب (موية زرقاء) عند الباب حدثه بسبب مجيئه وقال الأخ الآخر والدهشة لم تفارق الخاطب والمخطوب: ما بنلقي ليها أحسن من ود عمها وحددا موعدا للعقد.
أغلق الباب. فتذكر الرجل الأول شيئا فصاح من فوق (الحيطة والحذر): لعلمك (شكلتنا في محلها).
فلماذا لم يحتفل البعض بذكرى الاستقلال ومواجدهم على الإنقاذ في محلها؟ لماذا يربطون ما بين عيد بعيد بغضب حديث؟ لماذا يكرهون الأم لأجل الجنين؟ فقدموا للاجيال أسوأ مثال يمكن أن يقدم..
احتفل البعض باستقلال العلم القديم واحتفل البعض باستقلال السودان الحديث، فتذكر الأولون الرواد مع تكبير كوم كل حزب، واحتفل الآخرون بمستقبل قادم يرونه بلا مؤتمر وطني نغص عليهم العيد وأنقصه.
ولقد كنت في حلقة إنشاد صوفي ليل الجمعة لمجموعة كبيرة من الجمهوريين آثروا الاحتفال بذكرى الاستقلال على طريقتهم، استمتعت جدا بأناشيد الروح والراح وحديث طيب نقلوه عن الأستاذ محمود محمد طه وسبوا من أعدمه، لكن.. وفي مجموعة إلكترونية استمتعت أيضا بالمايويين وصور القائد وكيف حافظ النميري على الاستقلال وبجلوه تبجيلا..
كل كان يرفع لافتته فوق راية البلد حتى المؤتمر الوطني فعل ذلك، لذلك كان الاستقلال في معناه الأكبر غائبا وغائما.
لكني آثرت أن أحضر وإن كان نقلا أثيريا احتفالات الحكومة ومن والاها، وكان احتفال القصر رائعا واحتفال سبارك سيتي جميلا وأعلام صغيرة حملتها لصغاري وتسجيلا في الموبايل لنشيد الاستقلال، أخبرتهم عن عبد اللطيف وصحبه من غرسوا النواة الطاهرة وعن كرري وأم دبيكرات.. وعلي عبد اللطيف وعلي عبد الفتاح والشفيع أحمد الشيخ والمجذوب والإمام الهادي والنميري، حدثتهم عن القاتل والمقتول والعلم يرفرف نفسه عاليا فوق الأطماع والأحقاد.
لست حالما ولكن شكلتنا في محلها لا تنفي الغفران وعدم تحميل الأجيال غبن التقاتل ولا جبن التخاذل.. لابد أن يتعلم الأبناء أن هذا الوطن حقل السنا، هو فوق الجميع وأن من يحكم الآن هو المخول له بالاحتفال والامتثال بدون أن يلتفتوا لضجر آباء يحنون إلى الماضي لشبابهم لا لحكامه، فإن الذين خرجوا في أعياد مايو هم من خرجوا عليها وعلى ذلك قس.