هذا أخي يا تاجر البندقية..!!

في رائعة وليم شكسبير «تاجر البندقية» تبلغ العقدة قمتها حين يفرض اليهودي شايلوك شرطاً صعباً ليقرض رجل أعمال مسيحي اسمه أنطونيو.. كان أنطونيو يريد أن يساعد أحد أصدقائه الذي يريد أن يتزوج من ابنة المرابي شايلوك.. رطل من لحم أنطونيو كان هذا هو الشرط الجزائي إن لم يسدد النبيل المسيحي الدين في أجله المضروب.. تلك المسرحية تعتبر معادية للسامية من وجهة نظر اليهود.. النهاية الفلسفية المعقدة وضعها شكسبير حينما جاء الأجل وحان وقت تنفيذ الشرط الجزائي.
قبل أيام أعلنت وزارة المالية السودانية أنها شرعت في أخذ رسوم بترول جنوب السودان عيناً بعد أن فشلت حكومة جنوب السودان في السداد.. وكانت الخرطوم وجوبا قد اتفقتا على نحو «52» دولار كرسوم عبور لنفط الجنوب تفرض على كل برميل عابر لبورسودان.. هذه القيمة تشمل خمسة عشر دولاراً تعويض من حكومة الجنوب لاقتصاد السودان الذي تأثر بالانفصال بعدها تعود الرسوم لنحو عشرة دولارات لكل برميل.
الجديد أن أسعار البترول انخفضت في الأسواق العالمية من حوالي «041» دولاراً إلى أدنى من أربعين دولاراً.. بعض من نفط الجنوب الثقيل يصعب تسويقه في الأسواق الخارجية بسبب رداءة المنتج.. المفاوض الجنوبي الذي رفض وقتها فكرة قسمة الإنتاج وأصر على رسوم ثابتة أخطأ التقدير حيث لم يضع في حساباته انهيار أسعار النفط.. ذات المفاوض وافق على أن تستخلص حكومة الخرطوم الرسوم عيناً إن لم توّفِ جوبا بالسداد.
في تقديري.. المطلوب إعادة التفاوض حول الاتفاق السابق.. حكومة الجنوب إذا ما باعت نفطها في حدود «83» دولاراً فستكون مجرد «سلاق بيض» بلغة السودانيين.. حين يتم خصم رسوم العبور وحصة الشركات المنتجة لن يتبقى شيئاً لحكومة الجنوب والتي ربما تتخذ القرار الأصعب وتقوم بإغلاق «بلف» النفط كما فعلت من قبل.. لهذا وجب على حكومتي الخرطوم وجوبا الاحتكام لنظرية الظروف الطارئة المتعارف عليها في دنيا الاقتصاد.
في تقديري.. بإمكان حكومتنا أن تحرز هدفا ذهبياً بإيقاف تحصيل قيمة التعويض المادي المقدرة بأكثر من ملياري دولار أمريكي إلى حين تحسن الظروف.. مثل هذا التصرف يعيد بناء تصور الشخصية الشمالية في المخيلة الجنوبية بشكل إيجابي.. كما أنه يمنع حكومة الجنوب من التفكير في إيجاد بدائل صعبة ومكلفة لتصدير نفطها عبر موانئ شرق أفريقيا.. المكرمة السودانية تمتد لتمنح مدن الجنوب الحدودية كهرباء.. وقبل أن يحتج أحدكم أخبركم أننا الآن نفعل ذلك حيث نغذي مدينة الرنك وضواحيها بالكهرباء.. هذا الواقع فرضته ظروف هندسية، ولكن يمكن تحويله إلى اتفاق يربط بتزويد محطة كوستي الجديدة بنفط جنوبي حيث تستهلك المحطة كمية ضخمة من الوقود الجنوبي الثقيل المنتج في ولاية أعالي النيل المجاورة.
بصراحة.. مطلوب من حكومتنا أن تنظر نظرة إستراتيجية لجنوب السودان.. خفض جناح الذل من الرحمة يجعل أفئدة أهل الجنوب تعود لمسارها الطبيعي نحو الشمال كما النيل الذي يربطنا.

Exit mobile version