حين يناهضون النهضة

د. أحمد المفتي يكتب (بوست) بعنوان (سد النهضة … الفرصة الأخيرة)، البوست فيه القليل من المعلومات، والكثير من الشاعرية والوجدانيات، حتى تلك المعلومات غير مكتملة، إذ لا تمضي إلى نهايتها ليتبين المواطن موطئ (عقله) منها. يكتب المفتي في (بوسته): ” حتى الآن حققت إثيوبيا كل ما تصبو إليه من المفاوضات الفنيِّة غير المُجدية، لأن مخرجاتها غير مُلزمةٍ لها، والتي جرّت إليها مصر أوﻻً، ثم السودان ثانياً، منذ العام 2011 بحسب المحاضر الرسمية، لأن مجرد الدخول في تلك المفاوضات يقنع الجميع بأن إثيوبيا تتصرف وفق القانون الدولي، وذلك يقنن السد بطريقة غير مباشرة. لم تكتفِ إثيوبيا بذلك بل أقنعت السودان ومصر بتوقيع إعلان مبادئ سد النهضة في مارس 2015م، الذي ﻻ يلزمها بأي شيء، وبذلك تكون قد أكملت تقنين السد، و وفق إعلان المبادئ فإن حقوق السودان المائية تكون قد ضاعت إلى الأبد”.
واقع الأمر إن المُفتي يبدو وكأنه يتحدث بلسان مصري مُبين، فحين يقول: إن المفاوضات الفنيِّة غير مجدية، فإنه يُحطم أساس المفاوضات، التي تُتيح للأطراف الأخرى (السودان ومصر) الإستيثاق أولاً من أن السد منيع وحصين من الناحية التقنية، ومن أنه سُيبنى بطريقة لا تعرضه للانهيار – مثلاً، ثم تأتي المرحلة الثانية إلى النواحي القانونية التي نضمن بها مصالحنا في السد، وليس العكس كما يطرح المفتي.
الغريب في أمر الرجل، أنه يردد دائماً، بأن إثيوبيا جرّت السودان ومصر، وأنها خدعتهما، وكأن أهل السودان ومصر رهط من الأغبياء تُمسك إثيوبيا بآذانهم وتوجههم أينما أرادات، وهذه ليست الحقيقة، بل افتئات عليها.
ولمعلومية المفتي، فإن ما يُسميها اتفاقية 1891م، ويُحاجج بها، هي في الحقيقة لم تكن اتفاقية أصلاً، لأنه لا توجد فيها أطراف، فالسودان كان مستعمرة مصرية/ بريطانية، ومصر كانت مستعمرة بريطانية، وإثيوبيا لم تكن أوضاعها – حينها – تسمح لها بمعرفة تلك الأمور الشائكة، فمن هي الأطراف التي وقعت عليها؟ (بريطانيا فقط)؟ أم بريطانيا ومصر؟، وما هي مصلحة السودان فيها، وماذا استفاد منها؟ غير تلك الأضرار التي لحقت بشعبه جراء تلك القوانين الاستعمارية البغيضة التي يحتفي بها المفتي ويروج لها، فهو حين يقول ” إن سد النهضة يُضيِّع حقوق السودان المائية إلى الأبد” فإنه لا يقول الحقيقة أيضاً، مثلما قال من قبل – ثم سحب كلامه – إن المكان الذي شُيِّد عليه النهضة أرض سودانية، اعتماداً على اتفاقية 1902م التي اصبحت ملغية بفعل اتفاقية الحدود الاستعمارية التي أُبرمت في خمسينيات القرن الماضي وأصبح بموجبها إقليم بني (شنقول – قمز) تحت السيادة الاثيوبية الكاملة.
هنا نتساءل: ماذا استفاد السودان من السد العالي؟ ولمصلحة من ضحى بأرضة ومواطنيه؟ ثم نقول مع التأمين على أننا ينبغي أن نحصل من سد النهضة على أقصى ما يُمكن من فوائد، إن هذا السد في مصلحة السودان، وأنه لن تنجم عنه بحسب الخبراء والفنيين أية مخاطر تهدد الأمن المائي للسودان ومصر، وما يردده بعض المصريين ناجم عن إحساس متضخم بأنهم الأفضل بين شعوب المنطقة، لذلك ينبغي أن يحصلوا على نصيب الأسد من ثرواتها، ولو كان ذلك على حساب الشعبين السوداني والإثيوبي، بينما نقول نحن إن لكافة شعوب المنطقة الحق في التمتع والاستفادة من هذا المورد المائي الهائل (النيل الأزرق)، بمن فيهم شعب مصر.

Exit mobile version