هي واحدة من صناع التاريخ في بلادنا، معلمة خرجت كثيراً من الأجيال، شاعرة وفنانة تشكيلية أكدت أن الفن يمكن أن يلعب دوراً مهماً في حياة الناس وفي التاريخ، لتؤكد أن حواء السودان غير حواء في اي بلد آخر .
إنها الأستاذة المربية (أم السودانيين) الحاجة السريرة مكي الصوفي صاحبة تصميم أول علم سوداني يرفرف في سارية القصر الجمهوري رمزاً لاستقلال السودان .
السريرة استعادت معها (آخر لحظة)- في دردشة- هاتفية ذكريات ذلك الزمن الجميل، وأيام الاستقلال الأولى، وطافت معها في عديد المحطات التاريخية التي تحدثت عنها وكأنها حدثت اليوم.
بدأت حاجة السريرة حديثها للصحيفة بالقول: أولاً أهنئ كل الشعب السوداني بمناسبة المولد النبوي الشريف وأعياد الإستقلال والحوار الوطني، وأحيي بصفة خاصة (آخر لحظة) لأنه لولاها ما عرف الناس أن مصممة علم السودان الأول هي السريرة مكي الصوفي.
طلبنا منها أولاً أن تحكي لنا قصة تصميم العلم؟
قالت: يوم إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، كان كل الشعب السوداني في غاية الفرح، وخرج الناس إلى الشوارع، وكنت مع الذين خرجوا في ذلك اليوم وشاهدت فرحة الشعب، وعندما عدت للمنزل فكرت في عمل تصميم العمل، جاءتني الفكرة وأطفالي صغار كانوا لحظتها يرسمون بالألوان، فأمسكت الألوان وبدأت برسم العلم خاصة وأني مغرمة بالرسم، فرسمت ثلاثة خطوط وقمت بتلوينها، استخدمت اللون الأول الأزرق والأصفر، وكونت من الأزرق والأصفر اللون الأخضر، وكتبت مفتاحاً تحت التصميم، يوضح أن اللون الأزرق للنيل والماء، والأصفر للصحراء والرمال، ويرمز الأخضر للزرع، وكتبت مع العلم أبياتاً من الشعر (يا وطني العزيز اليوم تم جلاك.. بهمة رجالك والله نلت مناك)، وقمت بإرسالها للإذاعة تحت توقيع س، م، الصوفي
– وكيف عرف الناس أنك مصممة علم السودان الأول؟
أجابت: عندما قمت بتصميم العلم، لم يكن هناك من يعرف أنني صاحبة التصميم، وعندما رأيت الأزهري وهو يقوم بإنزال علم المستعمر، ويرفع علم السودان، تملكني إحساس بالفخر والفرح لا يوصفان، وكنت سعيدة بذلك رغم أن الناس لم يعرفوا أنني صاحبة تصميم هذا العلم، وكانت الحكومات تقوم في كل عام بتكريم صاحب نشيد العلم وملحنه، والمرأة التي ارتدت العلم يوم الاستقلال، ولا أحد يسأل عن من الذي صمم العلم ، فأثار ذلك حزن وغضب أبنائي الذين لجأوا لصحيفة (آخر لحظة) محتجين على هذا الأمر، فقامت صحيفتكم مشكورة بزيارتي في منزلي في عام 2009م وأجرت معي حواراً كشفت فيه كل شيء، وعرف الناس أنني مصممة علم السودان الأول، وقامت الحكومة بتكريمي في القصر الجمهوري، ومنحني السيد رئيس الجمهورية وسام الإمتياز، وكُرِّمت بعد ذلك كثيراً من جهات عديدة، ويوم الخميس الماضي كرمتني حرم السيد نائب رئيس الجمهورية السيدة ليلى محمد علي، وجمعية بت البلد الخيرية الذين زاروني في منزلي
– لماذا لم تقومي بكتابة اسمك كاملاً من الأول عندما أرسلتي تصميم العلم للإذاعة؟
في ذلك الوقت (ما كان مسموحاً للنسوان) ممارسة النشاطات بصورة واضحة، (عشان كده اختصرت الاسم بالحروف
– هل كانت هناك مسابقة من الإذاعات أم ماذا؟
لم تكن هناك أي مسابقة، (ده كلو) كان مشاركة في هذه المناسبة العظيمة، (زي ما قلت ليك) الشعب كله كان في فرح، وما قمت به كان تعبير بهذا الفرح
– ومن أخبرك أن البلاد ستختار علماً جديدأً لها؟
(ما في زول كلمني) لكن كنت أدرك أن دولة الاستعمار ستأخذ عَلَمَها بعد الجلاء، والسودان ليس له علم مثل بقية البلاد
– ماذا كنت تعملين في ذلك الوقت؟
أنا أصلاً كنت معلمة، وعملت في عدة مناطق في السودان، أم روابة، الرهد وكلية المعلمات بأم درمان التي استمريت بها حتى تركت العمل بعد الزواج، وتفرغت للمنزل، وكان لدي عدد من النشاطات، عملت في الإتحاد النسائي وقدمت برنامج (حديث الأمهات) بالإذاعة
– حدثينا أكثر عنك؟
أنا من مواليد أم درمان العام 1927م، والدي كان يعمل قاضياً بالمحكمة الشرعية، وخليفة الشريف يوسف الهندي ببري الشريف، والوالدة الحاجة نفيسة، وهي من أوائل اللائي تلقين تعليماً في السودان على يد بابكر بدري في رفاعة، درست في العباسية بأم درمان، وكلية المعلمات.
– تقدمتي بالتهنئة في بداية حديثك للشعب السوداني بالحوار الوطني .. هل تتابعين مجرياته؟
نعم (متابعة معاهم) من بداية الحوار الذي أتمنى أن يخرج بتوحد الناس حتى يبنوا هذا البلد وحتى يعود السودان مثل ما كان، بلد خير ومحبة ويسع للجميع
– حاجة السريرة، كلمة أخيرة؟
إن شاء الله يا أولادي كل سنة انتوا طيبين والبلد طيبة، حقيقة أنا فرحانة هذه الأيام بذكرى الاستقلال، خاصة وأنا عشت تفاصيلها،(بس) أتمنى من الجميع أن يضعوا الوطن في حدقات عيونهم، ودي فرصة الناس تتسامح وتصافى من أجل البلد.
حاورها / معاوية محمد علي
صحيفة آخر لحظة